السبت، 10 ديسمبر 2016

نظرة علي فيلم Where To Invade Next




عُرض في سينما "كريم" بوسط البلد فيلم "Where To Invade Next" أو "أين الغزوة المقبلة" للمخرج الأمريكي مايكل مور، الفيلم وثائقي من إنتاج عام 2015 وهو أحد عروض مهرجان القاهرة السينمائي الدولي الـ38 خارج المسابقة الرسمية. 


"مور" والوجه الآخر للمجتمع الأمريكي

يُعد مايكل مور أحد السينمائيين الذين يتمتعون بخطة واضحه في أفلامهم، فقد وضع مور هدفًا واحدًا يسعى إليه في كل أفلامه التي نشأت جميعها نتيجة لأحداث هزت المجتمع الأمريكي سياسيًا أو إقتصاديًا أو إجتماعيًا، ليكون هو مور صاحب أشهر سلسلة من الأفلام الوثائقية التي سلطت الضوء على سلبيات المجتمع الأمريكي وحاولت البحث في أسبابها !! ..  

ففي العام 1989 يصنع مور أول أفلامه "Roger & Me" مستعرضًا من خلاله الآثر الاقتصادي السلبي لقرار "روجر سميث" رئيس شركة جنرال موتورز، بإغلاق عدة مصانع للسيارات وتسريح آلاف العمال، على مدينة فلينت بولاية ميتشيجان، وهي المدينة التي نشأ بها مور..

وفي عام 2002، يقدم مور فيلم "Bowling For Columbine" الذي حاول من خلاله البحث في ظاهرة العنف في الولايات المتحدة ومشكلة حمل السلاح وذلك بعد مذبحة مدرسة كولومباين الثانوية التي وقعت عام 1999، وقد حصل الفيلم على جائزة الأوسكار أفضل صورة سينمائية وصنف كأفضل فيلم وثائقي على الإطلاق حيث وصل إلى قمة البوكس أوفيس في ذلك الوقت !! ..

ثم بعد ذلك يأتي فيلم "Fahrenheit 9/11" الذي انتقد مور من خلاله أسلوب الإدارة الأمريكية في تعاملها مع أحداث 11 سبتمبر والحرب على العراق، وقد حصل الفيلم على السعفة الذهبية من مهرجان كان، وهو أول فيلم وثائقي يحصل على السعفة الذهبية منذ عام 1956 !! ..

يقدم مور بعدها فيلم "Sicko" عام 2008 ليناقش من خلالة مشكلة الرعاية الصحية في أمريكا، ثم فيلم "الرأسمالية: قصة حب" Capitalism: A Love Story عام 2009، قبل أن يأخذ وقتًا مستقطعًا لإلتقاط أنفاسه يحاول فيه من جديد تأمُل المشهد الأمريكي مرة أخرى. 


أين الغزوة المقبلة ؟!


يبدأ مور فيلمه بحكاية خيالية كوميدية عندما يتم استدعائه بشكل سري إلى البنتاجون لمقابلة هيئة الأركان المشتركة التي تُعلمه بأنها لا تعلم بالضبط ماذا تفعل، فهم لم يفوزوا في أي حرب بشكل صحيح منذ النصر الكبير في الحرب العالمية الثانية. 

تعلن هيئة الأركان أمام مور شعورها بالخجل والإذلال بعد أن أنفقوا آلاف التريليونات في حروب لم تُنتج سوى المزيد من الحروب وخلق مجتمعات مثل داعش حتي أنهم فشلوا في الحصول على البترول الذي وعدوا به من حرب العراق، ليطلبوا من مور المشورة فيما يجب أن يفعلوا .. 

يفكر مور للحظات قبل أن يعلن أمامهم أن عليهم التوقف عن إرسال الجنود وإنه لا مزيد من إرسال الطائرات لتخريب حفلات الزفاف، بل كل ما عليهم فعله هو أن يرسلوه هو مور، ليحمل مور بعدها العلم الأمريكي عابرًا القارات بحثًا عن حلول لمشكلات المجتمع الأمريكي من خلال تجارب دول أخرى، فكلما أعجبته فكره وضع العلم الأمريكي عليها معلنًا استيلائه عليها. 

تبدأ تترات الفيلم بالنزول مع بعض مقاطع فيديو كان أبرزها للاحتجاجات ضد اعتداءات الشرطة، وحوادث الطرق بسبب سوء البنية التحتية، أو استيلاء البنوك على منازل الجنود الذي تم إرسالهم للحرب. وفي الوقت الذي تعلن أمريكا قدرتها على مساعدة الأطفال في كافة أنحاء العالم، تطلب المدارس من الآهالي شراء ورق التواليت للسنة الدراسية القادمة!! 

يبدأ مور رحلته بتلك المقاطع واللقطات التي تُلخص مشاكل المجتمع الأمريكي التي سينطلق هو للبحث عن حلول لها حول العالم، كما أنه يطرح من خلالها ذلك السؤال الهام "لماذا تنفق أمريكا ملايين الدولارات في الحروب من أجل هذا الادعاء بأنها تُحقق مجتمعات أفضل للبلاد التي تغزوها، بدلاً من إنفاق تلك الدولارات لتحقيق مجتمع أمريكي أفضل" ؟!! 

الفيلم أشبه بالبرامج من نوعية "خواطر" لأحمد الشقيري أو "الفرنجة" الذي يقدمه الثلاثي أحمد فهمي وهشام ماجد وشيكو، والتي تقوم فكرتها على محاولة إجاد حلول لمشكلات المجتمع من خلال تسليط الضوء على الإجابيات في أوروبا والدول المتقدمة، إلا أن مور قد نأى بفيلمه بعيدًا عن الكوميديا الصرف أو دروس التوعية عن المجتمع المثالي الصالحة لطلبة المدارس الثانوية والجامعات، فأفلام مور سياسية بالدرجة الأولى. 

وبرغم من أن هذا الفيلم قد وُصف بأنه الأكثر كوميديا من بين أفلام مور إلا أنه قد حمل طابعًا سياسيًا والكثير من النقد اللاذع للسياسة الأمريكية تجاه مواطنيها، فقد تخلل الفيلم بعض المقاطع الصادمة لما يحدث داخل السجون الأمريكية والعنصرية التي يعامل بها الأمريكان من ذوي الأصول الأفريقية، إلى جانب هذا جاءت تلك المقاطع التي توضح سوء تعامل الهيئات الصحية مع مسألة التوعية الجنسية داخل المدارس وقد حملت الكثير من الضحك.  

لم يسلط مور الضوء على الإيجابيات في أوروبا والدول المتقدمة فقط، بل قدم تجربة متقدمة وتحمل الكثير من الوعي أيضًا وهي تجربة الثورة من تونس، والتي حاول من خلالها تسليط الضوء على المرأة في ذلك المجتمع العربي. وقد حملت الحوارات التي أجراها "مور" مع النساء هناك الكثير من الوعي الفكري والثقافة. كما أنه أهتم بالتركيز على قوانين الرعاية الصحية التي تخدم المرأة والطفل هناك. 

وقد استطاع مور في فيلمه الحصول على حوارات مع رؤساء وحكام بعض الدول مثل راشد الغنوشي والذي تحدث معه عن قراره التنحي بعد فوز حركته بأغلبية البرلمان في الانتخابات التشريعية بتونس، وكذلك مقابلة مع رئيس سلوفينيا والتي حملت أجواءها طابع رسمي، والكثير من الصور وفلاش الكاميرا قبل أن ينغلق الباب لتبدأ المباحثات، ليخرج بعدها مور وقد حصل على شئ أفضل من البترول فيعلن أمام كاميرات وسائل الإعلام أن الرئيس قد استسلم أمامه بعد أن قام بغزو دولتهم وحصل على تلك الفكرة الرائعة وهي أن الجامعات يجب أن تكون مجانية ليضع بعدها مور العلم الأمريكي علي تلك الفكرة ويكمل رحلته بحثًا عن عزوة أخرى. 

يعتقد بعض ضيقي الأفق أن هؤلاء الأشد تمردًا على الأوضاع في بلادهم إنما يفعلون ذلك من باب الكراهية، ولكن في الحقيقة هم الأكثر حرصًا على الوصول بمجتمعهم إلى أفضل صوره .. وكذلك يفعل مايكل مور من خلال أفلامه !!



****************************


الاثنين، 5 ديسمبر 2016

Together For Ever : growing emotions




Together For Ever is a Romanian drama film written and directed by Lina Luzyte.

In the film, a married couple from Lithuania and their young daughter are plagued by the feeling that their life is growing dull. Everything changes when the husband gets a job as a stuntman in cinema and their life turns upside down.

Luzyte created a story that is drawn out of daily life. When the husband gets a new job, it’s a big deal for the family, which sets the tone for the plot.

The film digs deeper into the life of each family member, showing how the wife keeps her family calm through various situations. However, this leads to the other family members rejecting her lifestyle and seeking out their own simple dreams, such as when the husband accepts a job as a stuntman. Their resulting arguments show how far apart from each other they’ve grown, and how they were just playing pretend.

Luzyte doesn’t name her characters, which deepens the impression they could be anybody you bump into in your daily life.

One of the best things about the movie is how the motifs are in parallel movement with the plot, creating contrasts before and after the turning points. In the beginning, the wife gets into their car and has that cold talk with her husband as if they just had a fight. But then you discover they are going to a gala concert. This moment is recalled later in the film when she gets in the car but this time gives her husband a warm look like she used to give him 10 years ago. Emotions are developed within the characters, as they become comfortable sharing them with one another.

*************************

Published in the Daily News Egypt on December 5 , 2016



الاثنين، 14 نوفمبر 2016

حالة من كتاب حكايات القبو لتامر إبراهيم



من كتاب (حكايات القبو) لـ تامر إبراهيم 
الصورة لـ كريم عبد العزيز من فيلم "الفيل الأزرق" 

************************************

اليوم أحتفل بمرور عامين علي وحدتي ..
أن تعيش وحدك، فهي تجربة قاسية … تجربة فريدة … تجربة ممتعة .. أن تعيش وحدك فهذا هو الكمال في حد ذاته … 
أن تعيش في شقة بمفردك، دون أصدقاء أو أهل أو أقارب أو حتي هاتف يقطع خلوتك الذاتية برنين مزعج، هذا ما كنت أصبو إليه، وهذا هو ما حصلت عليه ..
يغلفنى الصمت التام ... صمت لا يلوثه حتى ضوء الشمس، فلقد دققت ألواحًا خشبية على جميع النوافذ، لأصنع سجنى الخاص الذى لا أملك فيه سوى كتابى الوحيد أيضا، أقرأ فيه كل ليلة دون أن ينتهى …
أستيقظ كل يوم لأجلس ساعات طويلة على الفراش، لا أملك حتى القدرة على معرفه إن كان الوقت ليلًا أو نهارًا، ولا أبارح مكانى إلا لتلبية ضروراتي القصوى، ثم أفتح كتابى وأبدأ فى القراءة حتى يغلبني النعاس، فلا ألتقى بأحد إلا فى أحلام مضطربة أستيقظ منها والعرق اللزج يغمرنى، عاجزًا عن تذكر ما كنت أحلم به ..
هذه هي حیاتی بلا زیادة أو نقصان ...
لماذا اخترت هذا النمط من الحياة ؟؟ ...
لا أذكر... كنت أذكر السبب في مرحلة من مراحل وحدتى، لكن كل الأسباب وكل المنطق ذابوا فى أطنان الصمت الذي يحيط بي من كل جانب ... 
صمت طويل مستمر ثقيل مقدس .. أشك أنني لو حاولت أن أصدر صوتًا، فلن أستطيع أن أبدد جزءًا من هذا الصمت ...
كنت أحدّث نفسى فى مرحلة أخرى من مراحل وحدتى هذه، وهى عادة تحتاج لتدريب وإصرار لتكتسبها، و إلى مزيد من الصمت لتوقف عنها، بعد هذا لن يتبقى لك شيء …
فى المرحلة التى وصلت لها، ستدرك أن الجدوى من أى شئ ... لا شيء !
ستصل إلى حالة لم يصل إليها كاهن قضى نصف عمره فى التبت، وستبدأ الموجودات من حولك، تتحول إلى صور .. صور ثنائية الأبعاد، غير ذات قيمة أو لون …
مجرد ظلال صامتة هى الأخرى … وفى النهاية  … مزيد من الصمت والوحدة ..
أصبحت عاجزًا عن التفکیر فی أی شئ أو تذکر أی حدث مررت به، قبل أن أدفن نفسی فی عزلتی الإختیاریة هذه …
حتى الكتاب الذى أقرأ فيه كل ليلة، أستيقظ دون أن أتذكر حرفاً واحداً مما قرأته ...
لكنى لم أتوقف عن القراءة ... لا يوجد شئ آخر لأفعله…
لا مذياع ... لا تلفاز ... لا صحف ... ولا أنزل حتى من المنزل لأشترى شيئاً من الطعام، فلدى هنا ما يكفينى لأعوام مقبلة …
ولدى الكتاب والوحدة والصمت ... أنا أغنى رجل فى تاريخ البشرية إذن !
دخنت لفترة على سبيل التغيير، لكن سحب الدخان المتراكمة مع نقص التهوية، أجبرتنى على التوقف، وها أنا قد نجحت فيما عجز عنه أى مدخن آخر …
على كل حال لست هنا، لأصف لك سعادتى المفرطة ولا بؤسي المتراكم، أنا هنا لأحكى لك ما حدث - لا يعنى هذا أنك تهمنى فى شئ ! – لعلى أفهم ... مشکلتی بدأت حسبما أذکر ... أذکر ... حتی هذا لا أذکره علي وجه الدقة !!  ... سنوات الصمت أحالت ذاکرتی إلی مصفاة لا تبق علی شئ !. 


*************************



الأحد، 13 نوفمبر 2016

"الساحر .. ليه ؟!!" - وداعًا محمود عبد العزيز



أذهب مع صديقة لي في أحد الأيام إلى أحد المراكز التجارية (المول) لأنها أرادت شراء ثياب جديدة للجامعة، ندخل إلى أحد المحلات وقد انتقت صديقتي مجموعة من الثياب التي راقت لها لتغيب داخل غرفة تغيير الثياب ..

أضيع الوقت في النظر إلى المعروضات قبل أن أجلس على أحد الكراسي وقد تعلقت عيناي بشاشة التلفزيون الذي كان يعرض فيلم "ليلة البيبي دول" ..

هو ليس من أفلامي المفضلة ولم يرق لي كثيرًا حين تم عرضه، كل ما أحببته في الفيلم حينها هو حكاية حسام (محمود عبد العزيز) الذي يحلم بقضاء أمسية رومانسية مع زوجته سميحة (سولاف فواخرجي) ليلة رأس السنة، ولكن تتبدل حقيبته التي أحضر بها البيبي دول لزوجته مع حقيبة إرهابي أتى إلى مصر لتنفيذ عملية اغتيال لأحد الشخصيات السياسية الأمريكية، لتتصاعد الأحداث بين السياسة وحلم ممارسة الحب والبحث عن البيبي دول والكثير من المواقف الكوميدية بين حسام وسميحة اللذين قررا التشاغل بمشروعهما عن الزخم السياسي طوال الفيلم، ولكن الأحداث دائمًا ما كانت تورطهما في السياسة رغمًا عنهما !! ..

يبدأ المشهد _على شاشة التليفزيون داخل المحل_ بين حسام (محمود عبد العزيز) وشكري (جمال سليمان) وقد عَلِقا بزحام العاصمة داخل التاكسي، وأخذ شكري يُحدث حسام عن الحال السياسية للبلد وكيف حصل على تلك الندبة في وجهه أثناء إحدى المظاهرات، وفي الطريق يطلب منه حسام أن يتوقفا عند أحد المطاعم ..

تظل فكرة أن يقضي حسام أمسية ساخنة مع زوجته تطارده داخل المطعم وهو يقرأ قائمة الطعام فيتوقف عند "شوربة الزووو" !! 

يتوقف الزمن داخل المحل مع تردد صوت محمود عبد العزيز بداخل المطعم، يتوقف الجميع عما كان يشغلهم وتتعلق عيونهم بشاشة التليفزيون، ورغم أن كل ما كان يفعله محمود عبد العزيز هو أنه أخذ يقرأ محتويات "الشوربة" العجيبة على صديقه شكري بمنتهي الحماس إلا أن الجميع قد غابوا في الضحك، قبل أن يحدث قطع على أحد المشاهد الأخرى داخل أحداث الفيلم، لتعود الحياة عندها مرة أخرى كما كانت داخل المحل، الزبائن يُقلبون في البضائع وأنا أنتظر صديقتي أن تخرج من غرفة تغيير الثياب ..

تخرج صديقتي من غرفة تغيير الثياب أخيرًا فأخبرها أن ما ارتدته سئ على كل حال وأنه جعلها أشبه بإحدى فتيات الآنمي، لتغيب مرة أخرى داخل غرفة الثياب بحثًا عن حظ موفق مع قطعة أخرى، وأعود أنا من جديد لمتابعة الفيلم أملاً في مُشاهدة المزيد من مشاهد الساحر محمود عبد العزيز، الذي رحل بالأمس وقد ترك خلفه السعادة والحب والسيرة الطيبة في قلوب الجميع.


********************



السبت، 12 نوفمبر 2016

حكاية من كتاب تقارير السيدة راء لرضوي عاشور



من كتاب (تقارير السيدة راء) - لـ رضوي عاشور 
المشهد لـ منة شلبي من مسلسل (حارة اليهود) - الحلقة 7

*****************************

المشروع الأول: القصة الميلودرامية:

أدهشتها صورتها في المرأة. کانت تحمّمت واعتنت بزینتها وتصفيف شعرها وارتدت أجمل ثيابها، ولكن ذلك كله لم يفسر لها التغيير المفاجئ من فتاة لطيفة الملامح إلى الحسناء التي تطالعها في المرآة. غادرت المنزل الی محل الزهور، انتقت ورودًا قرمزیهٔ لها سيقان طويلة، لفها لها البائع في السلوفان بعد أن أضاف لها غصونا دقيقة، أوراقها أشبه بأوراق السرو وإن تميزت عنها بزهور بيضاء منمنمة. كان البائع على وشك أنيربط الباقة بشريط أبيض ولكنها سارعت بإعلامه أنها تريد شريطًا وردى اللون. ناولته النقود وسارات إلى المحطة، باقة الورد في يدها وعلى شفتيها أغنية. في المحطة تطلعت إلى الساعة الكبيرة المثبتة في الجدار، وإلى الساعة الصغيرة حول معصمها. كان الوقت متطابقًا. بإمكانها أن تجلس في المقهى لقضاء الخمس والعشرين دقيقة الباقية على وصول القطار. طلبت قدحا من القهوة. نسيت أن تحتسيه. قامت إلى الرصيف.
يقترب القطار من محطة الوصول، يرج جسدها رجًا بضجیجه ودقات قلبها، تختار موقعًا یمکنها من متابعة کل القادمين. يمرون بها، كلهم يمرون. لم يأت، استعلمت عن مواعد وصول القطار التالي.
وصلت سبعة قطارات.
أنتصف الليل،
قال ناظر المحطة إن القطار التالي يصل صباحا. وکانوالحسن الحظ لا يغلقون مقهى للمحطة في الليل.

**********************************

المشروع الثاني: القصة على طريقة الأفلام الصامتة:

ارتدت ملابسها بسرعة خاطفة ثم غادرت المنزل ركضًا. في المصعد تطلع إليها جارها باستغراب فأنتبهت إلى أنها تمسك فردتي الحذاء في يدها. لبست الحذاء وغادرت المصعد ركضًا إلى بائع الزهور، اصطدمت برجل ثم بامرأة ثم بشجرة فاعتذرت للشجرة. اشترت زهرة وطارت بها إلى المحطة، وصل القطار. دست رأسها في نوافذه، صعدت إلى كل العريات. تفرست في الوجوه. جثت علی رکابتیها و بحثت تحت الکراسی، أعتلت المقاعد وجاست بيديها بين الأمتعة المصفوفة على الأرفف المثبتة على الجانبين. قفزت من القطار وقد أوشك على القيام. أنتظرت القطار التالي، حاذى الرصيف. اندفعت إليه. تعثرت بالأمتعة. اصطدمت بالركاب. سألت. وصفت، استخدمت يدیها في تعزیز الکلمات بالاشارة. هزوا رؤسهم. هرولت إلی مكتبة قريبة من المحطة. اشترت ورقًا مقوى وقلمًا. كتبت بخط أسود سميك اسمه وأوصافه وانتحت جانبا من الرصيف رافعة اللافتة. لا أحد يتوقف. ركضت إلى خارج المحطة. اشترت جرسًا. عادت إلى الرصيف، وقفت تدق الجرس تحاول لفت انتباه المارة إلى اللافتة. توالت القطارات. تصل. ترحل - تشرق الشمس - تغيب الشمس. تصفر الريح. يهطل المطر. يذهب الشتاء. يأتي الصيف. يشتد القيظ. يقرصها الجوع. تأكل الزهرة، لم تنتبه إلى أن ما كتبته على اللافتة اختلط حبره بماء المطر فلم يعد مقروءًا ولا مفهومًا، وأن شعرها الذي بلله المطر وجففته الشمس ثم بلله المطر من جديد صار أشعث، وأن ثوبها أصبح بالیًا کابي اللون ومتهدلاً علی جسمها الضامر، وأن المارة یضعون بجوارها بعض القروش ثم يسرعون الخطو مبتعدین".



**********************************

صديقتي على حق القصة ميلودرامية. تناولت حبة مهدئة ودخلت إلى فراشي. حاولت مرة أخرى تأمل مشروع القصة فقطع تأملي الاستغراق في النوم.

**********************************



السبت، 22 أكتوبر 2016

(أورلاندو) فرجينيا وولف على شاشة السينما





تلك الرواية التعبيرية التي جرفها إلينا تيار الوعي الخاص بفرجينيا وولف لتقدم لنا السيرة الخيالية للورد أورلاندو أحد شعراء العصر الإليزابيثي الذي يجلس تحت السنديانة يجمع شتات فكره ليكتب قصيدة جديدة للملكة أو ليصف حبيبته بأبسط الصور إلى مُخيلته، فهي بطيخة وأناناسة وشجرة زيتون وزمردة وثعلب في الثلج أو هي كل تلك الصور مجتمعة في آنٍ واحد !! .. 

في العام 1992، تقوم سالي بوتر بإحياء سيرة الشاعر أورلاندو وقد اعتبرته تجربتها الخاصة على شاشة السينما، فهي كما يقولون "قد أخذت الفيلم من بابه" .. فكانت المخرج وكاتب السيناريو هذا إلى جانب مشاركتها في تأليف الموسيقي التصويرية للفيلم وكلمات أغنية النهاية واللحن الخاص بها أيضًا، لتُعيد سرد الحكاية الخاصة بفرجينيا وولف والتي نُشرت لأول مرة عام 1928 !! .. 


البحث عن أورلاندو بين سطور فرجينيا وولف ..

نجحت سالي بوتر إلى حد بعيد في استخلاص حكاية أورلاندو من بين السطور الآدبية اللانهائية التي كتبتها فرجينيا وولف، من وسط كل هذا الإسهاب الفكري الذي يجعل أي قارئ يلهث محاولاً الوصول إلى نهاية الفقرة الواحدة والتي قد تمتد إلى أكثر من صفحة في أحيانٍ كثيرة، وقد عصفت كل تلك الكلمات والجُمل بعقلك وربما طاردتك في أحلامك أيضًا لتجعلك ترى الهلاوس الليلية إذا كنت لم تجربها في حياتك، فلا عجب من مصير فرجينيا وولف التي ظلت الأصوات تطاردها فأثقلت جيوبها بالحجارة لتنتهي في قاع النهر المجاور لمنزلها خشية أن يُصيبها انهيار عقلي ..

تنتهي سالي بوتر وقد وقفت على الخطوط الرئيسية لسيرة أورلاندو، وقد خرجت بها من ثرثرة فرجينيا وولف إلى ثرثرة الأفلام الإنجليزية، حيث تلك الجمل الحوارية الطويلة التي لا يستطيع سوى رجل إنجليزي التلفظ بها دون محاولة التقاط أنفاسه في نهايتها، وتستمع أنت إليها أو تحاول قرائتها عدة مرات على الشاشة دون جدوى، فتكتفي بالمعني الضمني الذي وصل إليك، وكأن الفيلم قاصر على المشاهد الإنجليزي وحده !! ..

وقد يرجع الأمر في ذلك إلى تلك الفترة التي تدور بها الأحداث في ذلك العصر الذي شهد زخمًا آدبيًا وشعريًا كبيرًا، دعك من أن بطل الحكاية هو شاعر أصلاً، فقد استطاعت سالي بوتر خلق حوار شعري مناسب لتلك الفترة، بالإضافة إلى تلك القصائد التي كان أورلاندو ينظمها، والتي لم يكن لها وجود في النص الأصلي لـفرجينيا وولف الذي اقتبست منه سالي بوتر أصدق الجمل الوصفية لشعور أورلاندو وحولتها إلى جمل حوارية جاءت على لسانه أثناء أحداث الفيلم، هذا إلى جانب التجديد الذي أضافته هي إلى الحوار _بعيدًا عن فرجينيا وولف_ فجعلته أكثر حيوية وفكاهة معبرًا عن تجربتها هي كقارئة للنص للأصلي.    




حكاية أورلاندو ..

وتأتي حكاية أورلاندو على شاشة السينما كما قدمتها سالي بوتر على النحو التالي .. 


فهو ذلك الشاب الذي جلس تحت السنديانة في أحد الأيام من العام 1600 ينظم شعرًا للملكة إليزابيث، فمنحته في النهاية لقبًا وقصرًا له ولأبناءه من بعده شريطة ألا يخبو شبابه إلى الآبد، ففعل !!، وعاش أربعمائة عام مر فيها بعدة تجارب إنسانية مثل (الحب، الشعر، السياسة، المجتمع، الجنس، الميلاد) شكلت كل منها فصلاً من حياته، إلى جانب بعض التجارب الأخرى التي صاحبت تلك التجارب كالخيانة والشعور بالفَقّد والاقتراب من الموت !! .. 


اتساع التجربة ..

وقد ساعد على اتساع تجربة أورلاندو الإنسانية استيقاظه في أحد الأيام ليجد نفسه امرأة، لها تحدياتها الخاصة باختلاف الفترات التاريخية، بعيدًا عن عالم الرجال الذي كان يحياه، لتكن مرآة مناقضة أو انعكاس للجنس الآخر في حياته السابقة ..

ويأتي تحول أورلاندو لجنس آخر مناقض لطبيعته سهلاً، فقد اعتاد كل مائة عام أن يستيقظ من ثبات عميق بعد كل تجربة أو فصلاً من حياته وكأنه بعث للحياة من جديد، بأفكار جديدة ووعي آخر يجد معهما حلاً لأحد إشكالاته الوجودية ويبدأ أُخرى!!  ..   

ففي مائة يقع في حب ساشا التي خرجت عليه من الخيمة الموسكوفية ويعاني الخيانة والفَقّد، يُجرب الشعر ويواجه النقد، ويظل شبح المائة عام تلك يطارده في المائة عام الآخرى التي قضاها في الصحراء سفيرًا لإنجلترا في أحد البلاد العربية وقد أعاد اكتشاف ذاته من جديد ومارس التأمل وارتدى الأبيض كما فعل "لورانس العرب" وصار شبحًا، ليواجه في نهايتها الموت ويشكل نظريته الخاصة تجاهه ليستيقظ بعدها في جسد ووعي امرأة وقد صار أكثر انفتاحًا على كل تجربة جديدة تقدمها له الحياة طالما يجد هو أو هي التفسير الفلسفي لها !! ..

فيعبر الصحراء عائدًا أو عائدة لوطنها وهي ترتدي السواد وقد فقدت منصبها السياسي أو ماتت على حد قول الأرشيدوق صديقها ولم يعد لها وجود، فيفتح لها خدم القصر الباب بعد لحظة من الاندهاش الذي يتلاشى سريعًا، فقد اعتادوا على الغرابة من سيدهم _التي صارت سيدتهم الآن_ على مدار قرنين من الزمان !!  


 

مائة عام جديدة ..                                                     

على مدار الـ400 عام التي عاشها أو عاشتها أورلاندو حاول كل منهما الحفاظ على ما ينتمي إليه، وهو القصر الذي منحته إياه الملكة إليزابيث وكان النقطة التي انطلقت من عندها الأحداث، فيسافر أورلاندو في الزمن بحيواة عدة كي لا يفقده، وقد اشتدت المواجهات الخاصة به وهو يحاول الحفاظ على القصر وخاصةً بعد أن صار "هي"، فتنام "هي" في عهد الملكة آن وليس من حقها التملك لتستيقظ في عهد فيكتوريا وقد صار لها لقب "سيادتها" Her Ladyship، وكل ما عليها فعله أن تُوقع باسمها ولقبها على ملكية القصر!! ..

لم يأت الفيلم على ذِكر أي من ملوك إنجلترا الذكور بل اكتفى فقط بذكر هؤلاء الملكات الثلاث اللاتي عاصرتهن أورلاندو، وكأنه يلقي الضوء على حال النساء من خلال أورلاندو _وهي إمرأة _ في عهد نساء مثلها، وقد ظهر ذلك بقوة في الفصل بعنوان (المجتمع) !! ..

ساعد على اتساع تجربة أورلاندو أيضًا المائة عام الآخيرة التي أضافتها لها سالي بوتر _لاحظ أن الرواية نشرت عام 1928 أي أن أورلاندو عاش أو عاشت 300 عام فقط وليس 400_ لتجد أورلاندو نفسها تحاول الهرب من القصف الجوي في الحرب العالمية الثانية وقد انتفخت أحشائها بعد ليلة قضتها مع أحد المغامرين الحالمين بالعالم الجديد في القرن السابق !!  ..

لم يقف الفيلم عند هذا الحد بل سارت أورلاندو في الزمن، وقد استمدت القوة من التجارب اللاتي عاشتها في القرون السابقة، فتحاول تحقيق الأحلام التي طالما راودتها في المائتي عام الأولى التي عاشتها، فقدت الحب في مائه عام ووجدته في مائة عام أخرى، بدأ حلم الشعر والآدب في المائة عام الأولى وتحطم في المائة الثانية ليتحقق في الرابعة وقد جلست أمام صاحب أحد دور النشر الذي وافق على نشر تلك السيرة الذاتية الفانتازية وكأنها من عوالم (ألف ليلة وليلة)، لتنهي بعدها رحلتها تحت السنديانة كما بدأتها !! 


 

عن الملابس وزوايا التصوير وأشياء أخرى..

"كان هو ولا مجال للشك في جنسه...

 رغم أن الموضة السائدة آنذاك كانت تساهم في تمويه ذلك" ..


هكذا بدأت فرجينيا وولف أول سطور روايتها وكذلك فعلت سالي بوتر في أول مشاهدها الفيلمية لسرد حكاية أورلاندو لتصنع واحدًا من الأعمال السينمائية التي يطلق عليها الـCostume Drama، وهي تلك التي يكون فيها الحضور اللافت للملابس باختلاف الفترات التاريخية لتلعب دورًا في أحداث الفيلم .. 

إلا أن كلمات فرجينيا وولف والمُنحنى الذي مهدت له الملابس في الفيلم _وهو تحول أورلاندو من رجل إلى امرأة_ كان له دورًا في خلق جانب من الكوميديا وسط الأحداث ذات الطابع الدرامي، فكل ما فعلته سالي بوتر هو أن تَحرت الدقة في تقديم أزياء الفترات التاريخية التي عاشها أورلاندو على مدار أربعمائة عام، على عكس الأعمال الآخرى التي تعمل على المزج بين أزياء الفترة التاريخية والمعاصر عند تصميم الملابس حتى لا تأتي غريبة أو مبالغ فيها بالنسبة للمشاهد ..

فجاءت ملابس أورلاندو في المائتي عام الأولى _التي قضاها كرجل_ كوميدية وتحمل طابعًا أنسويًا إذا ما قورنت بمقاييس الحاضر، أما عن تلك التي ارتدتها وهي امرأة، فيكفي تلك التنورة التي تشبه المنطاد التي كانت ترتديها النساء تحت أثوابهن في تلك الفترة ومُحاولة أورلاندو السير بها وسط قصرها المزدحم بالأثاث أو الجري بها هربًا من واقعها لتبدأ واقعًا أخر في زمن آخر، فتنتقل بذلك الأحداث ما بين الكوميديا والدراما!! 




وكان لفكرة نظر أورلاندو إلى الكاميرا كاسرًا الحائط الرابع، مع بداية كل تجربة أو عند نهايتها وقد توصل أو توصلت لفلسفتها الخاصة تجاه تلك التجربة، دورًا في خلق المزيد من الكوميديا داخل أحداث الفيلم، فعلى حد قول المخرجة سالي بوتر:

"هي محاولة لنقل الطريقة التي كانت تخاطب بها فرجينيا وولف قارئها في الرواية إلى شاشة السينما، أو تحويل الطرافة الآدبية لفرجينيا وولف إلى كوميديا سينمائية" !!  ..

وقد جاء اختيار تيلدا سوينتن موفق جدًا لكي تلعب دور أورلاندو على شاشة السينما، فهي صاحبة أحد الوجوه الغريبة أو تلك التي ينطبق عليها مصطلح Freak، التي رشحتها لتلعب مجموعة من الأدوار الغريبة والمتنوعة على شاشة السينما .. 

وكما منحت تيلدا الفيلم من ملامحها الغريبة التي أهلتها لتلعب دور رجل على شاشة السينما، منحها الفيلم الكثير من اللحظات الأنثوية على شاشة السينما والتي نادرًا ما تراها تؤديها، وساعد على ذلك اللقطات القريبة Close Ups التي كانت سالي بوتر تلتقتها لوجه تيلدا مع بداية كل مرحلة ونهايتها لتبتعد الكاميرا وتُفاجأ بجنس جديد أو أزياء جديدة وبيئة مختلفة، قبل أن تتحول الشاشة إلى اللون الأسود وقد حملت تاريخ أو عنوان مرحلة جديدة من حياة "أورلاندو".


      

 ************************



الخميس، 20 أكتوبر 2016

لماذا يشرب الأشرار اللبن ؟





مشاهد سينمائية وتلفزيونية يظهر فيها مجموعة من الأشرار يشربون اللبن قبل ممارسة العنف على الشاشة !! ..

******************************


(Clockwork Orange (1971


في المشهد الافتتاحي لفيلم "Clockwork Orange" لستانلي كوبريك، يجلس أليكس مع عصابته داخل Milk Bar يشربون اللبن المخلوط بالمخدرات، ثم يخرجون بعدها إلى الشارع لنشر الرعب والشجار مع كل من يقابلهم حتي ينتهي بهم الأمر داخل منزل مؤلف يقومون بضربه حتي الموت والاعتداء على زوجته وهم يرددون أغنية "Singing In The Rain" !!


******************************


(2009) Inglourious Basterds 



في فيلم "Inglourious Basterds" لكوانتين تارانتينو، يذهب هانز لاندا أحد ضباط جيش هتلر ويلعب دوره الممثل كريستوف فالتز إلى منزل أحد المزارعين بالريف الفرنسي لفتح تحقيق معه حول أحد العائلات اليهودية التي كانت تعيش في الجوار لكنها اختفت ولم تستطع السلطات العثور عليها..

يبدأ هانز تحقيقه بشرب كوب لبن من إنتاج مزرعة الرجل الفرنسي، ويُنهيه وقد دخل جنوده بمدافعهم الرشاشة للتخلص من العائلة اليهودية التي خبأها المزارع أسفل أرضية المنزل !!


******************************

(Westworld (TV series 2016




في الحلقة الأولي من مسلسل "Westworld" وهو من إنتاج شبكة HBO، يتعرض منزل "دلوريس" _وهي أحد المُضيفين داخل الحديقة_ للاعتداء من قِبَل مجموعة من الأشرار، الذين يتسلو بشرب اللبن الذي تُنتجه المزرعة بينما يقومون بقتل والديها وسكب اللبن عليهما وقد اختلط اللبن بالدم، ويتكرر المشهد في الحلقة الثانية أيضًا !!


******************************



الاثنين، 3 أكتوبر 2016

رجال أعطوا نسائهم مساحة علي شاشة السينما




مجموعة من التجارب العاطفية قدمتها السينما المصرية، منح رجالها، الذين تنوعت أوساطهم الاجتماعية وتعددت خلفياتهم الثقافية والفترات الزمنية اللاتي عاشوها، مساحةً لنسائهم، لتكن كل منهن ((هي)) للحظات فيلمية قليلة على شاشة السينما !!

********************


لن أبكي أبدًا .. 1957



(تقدري) عام 1957 ..

قبل انطلاق حملة (تقدري) التي بدأت عام 2015 بـ"غيري كاوتش العربية" و"إزاي تدهني حيطة" لتشجيع النساء على القيام ببعض الأعمال أو النشاطات الحياتية التي ظلت قاصرة على الرجال، يأتي فيلم "لن أبكي أبدًا" عام 1957 لحسن الإمام حيث يظهر في أحد المشاهد عماد حمدي وهو يعطي فاتن حمامة درسًا عمليًا في كيفية تغير إطار السيارة !! 

في مشهد يبدو كوميديًا في ذلك الوقت الذي كان من المستحيل فيه أن تجعل امرأة تنورتها القصيرة تتسخ وهي تحاول إصلاح سيارتها التي انفجرت إطاراتها أو يُكتفي بكادر لحذاء سعاد حسني الأنيق وهي تركل إطار سيارتها المعطلة على جانب الطريق في فيلم "غروب وشروق"، تظهر فاتن حمامة على شاشة السينما وقد شمرت عن ساعديها في محاولة منها لرفع السيارة عن الأرض لتُغير إطارها !!  

يبدأ الأمر حين تحاول هدى (فاتن حمامة) التقرب من أحمد (عماد حمدي) بعد أن صدمته بسيارتها، فتعرض عليه أن يعطيها دروسًا في القيادة فربما تسنح الفرصة للسهوكه فيقع في غرامها، إلا أن الدرس يبدأ بنظرة متفحصة داخل كبوت السيارة حتي تتعلم كيف تُصلحها إذا تعطلت وينتهي وهي ترفع السيارة بالكوريك !! ..

- "وهو ضروري أتعلم ده كمان أنا عاوزة أسوق بقي" ؟!

- "دا مهم جدًا عشان لو ضربت منك العجلة في حته مقطوعة تقدري تتصرفي" !!




************************


الباب المفتوح .. 1963


"واللمعة في عينيكي والإشراقة في وجهك" .. 

في واحدة من الحالات الفيلمية النادرة على شاشة السينما يأتي فيلم "الباب المفتوح" ليقدم نموذج مُختلف للعلاقات العاطفية من خلال شخصية ليلى (فاتن حمامة) الفتاة التي تحلم بالحب والتحرر من القيود الإجتماعية وحسين ويلعب دوره "صالح سليم" في واحد من أفضل الأدوار الرجالية على شاشة السينما، الذي ظل يدفعها دائمًا في طريقها للبحث عن ذاتها والتخلص من الهواجس التي تؤرقها رغم افتراق طريقهما بل واقدامها علي الزواج من غيره !! .. 

فحتى عندما يختفي حضور حسين من حياة ليلى تظل خطاباته، التي تأتي إليها مع نقاط التحول في حياتها لتشكل لها طوق النجاة الذي ينتشلها من أفكارها واضطرابها، فيتردد صوت حسين وكأنه صوت ضميرها أو ذاتها التي تحاول البحث عنها وأحيانا أخرى الهرب منها، ليطمئنها ويمنحها القوة ويخبرها أنها جميلة، وأحيانًا أخري يعاتبها، ليس لأنها خانته بل لأنها خانت قلبها وخانت ما تؤمن به وتسعي إليه .. ((حريتها)) !! 




************************

مراتي مدير عام .. 1966



"هنكافح سوا في البيت والشغل" .. 


كوميديا اجتماعية قدمها عبد الحميد جودة السحار ترصد صعود المرأة وتوليها المناصب القيادية في مجال العمل في ظل ثورة 1952، فهي لم تعد "الأستاذة فاطمة" أو "الأفوكاتو مديحة" التي يحطم مجتمع الباشاوات طموحها فيجعلها تعود إلى بيتها حتي لا تفقد أنوثتها إذا عملت مثل الرجال، ولكنها الآن في مجتمع جديد، مجتمع الثورة، الذي يجعلها تحقق طموحها فتصل إلى أعلي منصب تصل إليه امرأة في ذلك الوقت وهو مديرة مصلحة حكومية وليست مديرة مدرسة للفتايات كما جرت العادة !! .. 

يحتفل حسين (صلاح ذو الفقار) وزوجته عصمت (شادية) ليلة التعين وهو فرح لفرح زوجته بالتقدم الجديد الذي أحرزته في حياتها المهنية، فهو لم يكن يومًا صاحب أفكار بالية كغيرة من الرجال، فقد  كانت عصمت زوجته زميلته في الكلية أيضًا وهو لم ينظر لها نظرة الند أبدًا !! ..

وكما يقال "أنا آمن طالما المصيبة بعيدة عن بيتي" .. فيتبدل كل شئ في ليلة وضحاها عندما يكتشف أن زوجته صارت مديرة في المصلحة التي يعمل بها وصارت رئيسته في العمل، فيطلب من زوجته أن يخفي أمر زواجهما عن الموظفين فهو لا يعترض على منصب زوجته ولكنه يخشي من نظرة الآخرين له !! ..

- "أنتَ .. حسين .. تقول كده" !! ..  

وهنا تبدأ مأساة "أيبك" و"شجرة الدر" .. فتتعقد الأمور بين حسين وعصمت بعد أن يكتشف زملائه في المصلحة أن زوجته هي المدير العام ويحاول كل منهم أن يطلب واسطة منه بصفته زوج المديرة، وتتصاعد المشاكل والمواقف الكوميدية أيضًا طوال فترة تنفيذ المصلحة لأحد المشاريع !! .. 

يكتشف حسين ترك عصمت للمصلحة ونقلها لمصلحة أخرى، حتى لا تسبب له الحرج وتفسح له مجالاً، إلا أنه يلحق بها ليعمل معها في مقر عملها الجديد وقد كتب في مذكرة وظيفته أنها زوجته!!

يترك حسين سباق الخيل لمن يهوى السباق ويجلس إلى جوار زوجته في المدرجات مستمتعًا معها فقط بحياتهما سويًا غير متقيد بالتقاليد، فالتقاليد هي ما يصنعاه سويًا، وما هي العلاقات العاطفية إذا لم تغيرهما سويًا مع التجارب التي تضعهما أمامها إلى الأفضل .. لتمنحهما ((حياة جديدة)) !!


**********************

أهل القمة .. 1981












"كده تقفي على رجلك وتبقي حرة نفسك" ..


(أهل القمة) .. أحد الأفلام السينمائية التى جاءت كوثيقة لتسجل واقع المجتمع المصري وتأثير الانفتاح الاقتصادي على حال أهله، وذلك من خلال شخصية "الحرامي" زعتر النوري (نور الشريف) الذي يساعده "الضابط" ويلعب دوره عزت العلايلي على التوبة ويجعله يعمل مع أحد رجال المال زغلول رأفت (عمر الحريري)، إلا أنه يشتغل في التهريب ويرتقى إلى قمة المجتمع هو أصدقائه من الحرامية والنشالين نتيجة للقوانين الجديدة التي سهلت لهم ذلك !! .. 

يتجدد الصراع بين "الضابط" و"الحرامي" بعد أن يكتشف أن الأخير واقع في حب ابنة أخته سهام (سعاد حسني)، فيعمل على تزويجها من زغلول رأفت رجل الأعمال الشريف من وجة نظرة، لتجد سهام نفسها محاصرة بين لصّين وعليها الاختيار بينهما !! .. 

تذهب سهام إلى زعتر هربًا من خالها وزوجته والفقر الذي يلاحقها هي وأمها وتطلب منه أن يتزوجها، إلا أنه يرفض طلبها لأنها لا تحبه !! ..

يناقش زعتر فلسفته مع سهام وكيف أنه أصلح المجتمع بأن جعل من مجموعة من اللصوص أعيان وأنه لا يَفرق عن "أمرا وباشاوات زمان" فقد كانوا هم أيضًا لصوصًا وتابوا بعد أن غناهم الله، وتمضي هي تفكر فيما يقوله وهي تأكل الترمس !! ..

ربما كان زعتر أو محمد زغلول كما صار يدعو نفسه رجلاً طيبًا ولكنه يمتلك فلسفته الخاصه، فهو لم يرضى أن ينتهز الفرصة ويتزوج سهام وهو يحبها وقد عرضت عليه نفسها ولكنه بدلاً من ذلك منحها عملاً لتكن حرة، فتستطيع أن تتخذ قرارها بعيدًا عن الفقر وقلة الحيلة، فربما تأتي إليه بإرادتها الكاملة في النهاية، فقد منحها ما لم يمنحها أحد .. ((حرية الإختيار))!!


************************



الخميس، 25 أغسطس 2016

رسائل البحر .. وحلم المواطن




عالمه الخاص الذي بناه من تغريبة هؤلاء .. 

"نرجس ريحان" التي تقضي ليلة مجنونة بحثًا عن جواز سفرها للحاق بأبنائها في أمريكا خوفًا من الغربة، أو "يوسف كمال" الذي يخرج من منزلة عن طريق الخطأ بعد عزلة دامت 20 عامًا ليصطدم بعالم غريب عليه أثناء بحثه عن "سيد مرزوق"، أو"الشيخ حسني" الثأئر على واقعه الرافض للاعتراف بأنه كفيف وهو يصطحب "الشيخ عبيد" وهو كفيف أيضًا  إلى السينما ويقنعه بأنه يبصر ويشرح له الفيلم !!، أو "يحيى أبو دبورة" ومحاولته الهروب من أرض الخوف والعوده إلى عالمه، حتي أولئك الذين حاولوا سرقة بعض لحظات الفرح من الحياة أو تمتعوا بقدرات غير عادية .. 

يصنع داوود عبد السيد عالمه الخاص من تلك الشخصيات التي لا يجمعها سوي شئ واحد وهو الشعور بالغربة داخل الذات أو العالم المحيط بها !! 

فيأتي عام 2001 ليقدم حكاية جديدة يضيفها إلى عالمه وهي حكاية "المواطن" ليطرح أزمة الطبقة المتوسطة المثقفة وحالة الغربة التي عانتها مع مطلع الثمانينيات، وهي الفترة التي شهدت تغير في التركيبة الاجتماعية والثقافية في المجتمع المصري وصعود من عرفوا بالأثرياء الجدد !!


حكاية (مواطن ومخبر وحرامي) ..


تبدأ حكاية المواطن ويُدعى سليم (خالد أبو النجا) حين يكتشف سرقة سيارته من أمام منزله ويذهب لتحرير محضر بالسرقة، فيتعرف على المخبر _ويلعب دوره صلاح عبد الله_ الذي يعرف منه بسرقة السيارة ويعثر له عليها فتنشأ بينهما صداقة !! .. 

يأتي المخبر لسليم بحياة الشغالة (هند صبري) لتخدمه فتنشأ بينهما قصة حب، نكتشف بعد ذلك أن حياة على علاقة بالحرامي شريف المرجوشي (شعبان عبد الرحيم) الذي تنتظره أن ينهي مدة حبسه، وأثناء ذلك تقوم بسرقة منزل سليم إلا أن المخبر يعيدها بالمسروقات، ولكن سليم لا يجد روايته، فتخبره حياة أنها مع المرجوشي الحرامي والمطرب الشعبي صاحب الفلسفة وأنه يريد أن يراه، يستعيد سليم روايته إلا أن المرجوشي يسرقها منه مرة أخرى!! ..  

نلاحظ تباين الشخصيات التي اختارها داوود عبد السيد ليكنوا أبطال حكايته التي تبدأ أحداثها في (القاهرة عام 1980) وهي الفترة التي بدأ فيها المجتمع المصري يجني ثمارعصر الإنفتاح فدفع ثنمها من تركيبته الثقافية والإجتماعية ..

فنجد "المواطن" .. وقد اختار داوود المواطن المثقف ليمثل الطبقة المتوسطة التي تحاول الحفاظ على توازنها وإرثها الثقافي والفكري في ظل هذا التغير من حولها .. 

"المخبر" .. وهو السلطة في أبسط صورها، وهو أيضًا شخصية آتت من عهد سابق لبداية الأحداث في الفيلم، تواجه تحدياتها الخاصة في مجتمع جديد عليها، فعندما تنشأ الصداقة بين المخبر والمواطن يصرح له المخبر أنه كان يراقبه ويتجسس عليه عندما كان طالبًا في الجامعة !! .. 

نأتي بعدها إلى "الحرامي" .. وقد اختار داوود دور الحرامي ليكون رمزًا للهؤلاء الذين تسلقوا قمة المجتمع في ذلك الوقت، فيقدم الحرامي على مدار أحداث الفيلم صورة مناقدة للمواطن طوال الوقت، تأتى في استعراض منزل المواطن سليم وهو قصر قديم يبدو وكأنه لأسرة من عهد الباشاوات واستعراض للبيت الفقير الذي يسكن فيه الحرامي، الحفلات التي كان يقيمها المواطن في منزله، الأقنعة والطراطير والزينة والموسيقي الكلاسيكية في مشاهد أقرب لحفلات الأثرياء في أفلام الأبيض والأسود والأفراح الشعبية التي كان يحيها الحرامي في حيه الفقير فهو مطرب أيضًا .. 

تظهر في بعض المشاهد محاولة فرض "الحرامي" لثقافته علي "المواطن"، كالمشهد الذي أحضر فيه التمثال كهدية للمواطن وقد وضع عليه جلبيه قامت بتفصيلها "البت سنية الخياطة"، أو حين أمسك برواية "المواطن" بعد أن سرقها للمرة الثانية معلنًا أنها رواية كافرة ويلقي بها في النار، وعندها يحتدم الشجار بين المواطن والحرامي يفقأ المواطن عين الحرامي ليشعر بعدها بالندم، فيتشارك مع الحرامي في دار للنشر ويصدر المواطن أولى رواياته ويطرح الحرامي أول شريط كاست له في السوق، وكأن المواطن قد أعلن استسلامه فلم يجد أمامه سوى التكيف مع الواقع المفروض عليه وهو التعايش مع الحرامي، فتأتي تلك اللحظة وكأنها إسقاط على تلك الفترة التي لم يعد فيها فرق بين المواطن الشريف والحرامي!! .. 

على مدار الأحداث يستمر داوود عبد السيد في التعبير عن حالة الغربة التي ظل يعاني منها المواطن حتي بعد مشاركته للحرامي وإصداره لأولى رواياته أو بعد أن صار أديبًا كبيرًا وحصل على جائزة الدولة التقديرية قفد ظل حلم روايته الأولى يطارده، فيمضي بقية رحلته يقوم بعده محاولات لإعادة كتابتها مرة أخرى إلا أنها كانت تنتهي بالفشل؛فدائمًا كان هناك شئ ناقص !!


رسائل البحر تأليف "سليم سيف أمجد" ..


 لم تكن الرواية التي كتبها المواطن وحرقها الحرامي وظل المواطن يحاول طوال حياته كتابتها مرة أخرى وظلت في نظره أفضل أعماله سوي فيلم "رسائل البحر" الذي قدمه داوود عبد السيد للسينما عام 2010، فيظهر في أحد مشاهد الفيلم الغلاف الخارجي للرواية بعد أن أنجزها المواطن وهي تحمل عنوان "رسائل البحر" كُتب تحتها "تأليف سليم سيف أمجد " !! ..

كعالم "Inception" حين كان على الأبطال دخول حلم أحد الأشخاص ومنه انتقلوا إلى حلم آخر، ينقلك داوود عبد السيد من عالم "المواطن" إلى عالم أخر صنعه "المواطن" بعقله .. 

وكأن "رسائل البحر" هي تغريبة "المواطن" الشخصية، فتأتي بداية الحكايتين واحده، يحيى (آسر ياسين) خريج كلية الطب الذي يتوقف عن ممارسة المهنة ويعاني من العزله لأنه (بيتهته) في إسقاط على حال الطبقه المتوسطة المثقفة التي (تُتهته) في المجتمع، وهي نفس الحالة التي كان يعيشها "سليم" فترة كتابته للرواية، حتى البيت الذي يسكنه يحيى هو قصر قديم كقصر المواطن خاليًا من الحياة ومليئ بالوحده، تبدأ الحكاية حين يطلب منه أخيه بيع القصر والهجرة لأمريكا إلا أنه يرفض فكرة الهجرة وينتقل إلى شقتهم القديمة بالأسكندرية ويعمل بالصيد، وهنا نتوقف عند اختيار سليم لمدينة الإسكندرية لتدور بها أحداث قصته، فهي حلم المدينة المتروبوليتانية التي تتعايش فيها مختلف الجنسيات والديانات والأعراق وكأنها الملاذ الأخير للمثقف بداخله أو "يحيى" الذي يبحث عن ماضيه للتشبث به !! .. 

وحين ينتقل يحيى لشقتهم القديمة بالأسكندرية نتعرف على جيرانه القدامى، وهي الست فرانشسكا الإيطالية (نبيهة لطفي) وابنتها كارلا (سامية أسعد) التي يُقنع يحيى نفسه بالوقوع في حبها أثناء محاولاته العودة لماضيه حين كان طفلاً، فيظهر في أحد المشاهد وهو يردد "أنا بحب كارلا .. أنا بحب كارلا" وكأنه يقنع نفسه بذلك !! .. 

وكأن "رسائل البحر" قد وضع فيها المواطن قطعة من روحه ظل يبحث عنها بعد ذلك، فيأتي التتطابق الوجداني بين يحيى وسليم من خلال الموسيقى التي كان يستمع إليها كل منهما، فسليم كان يمضي وحدته في قصره متأملاً الفراغ مستمتعًا وهو يستمع إلى الموسيقي الكلاسيكية، ويأتي يحيى الذي يملأ وحدته بوقوفه في الشارع تحت شرفة فتاة تعزف المقطوعات الكلاسيكية على البيانو دون أن يعرف من هي ..




يسلط سليم من خلال روايته الضوء على فكرة تقبل الآخر من خلال الشخصيات التي يتعرض لها يحيى بطل قصته منذ انتقاله لمدينة الإسكندرية، فجميعها شخصيات تشعر بالغربة وتتصرف على عكس ما تبدو عليه .. 

قابيل (محمد لطفي) البودي جارد الذي يقرر عدم استخدام قوته بعد أن قتل أحد عن طريق الخطأ ودخل بعدها السجن، كارلا جارة يحيى التي تقرر أن تترك مصر وتعود إلى إيطاليا لتعيش تجربتها بعيدًا عن مجتمع لن يتقبلها، حتى يحيى نفسه الذي يقدم نفسه لحبيبته نورا (بسمة) على أنه صياد سمك ويعتقد هو أنها عاهرة قبل أن تكتشف أنه طبيب ويكتشف هو أنها عازفة البيانو التي يمضي الساعات تحت شرفتها وهي تعزف له وتنتظره أن يراها كما هي على حقيقتها وليس كما صورها له عقله !! ..

ويأتي الظهور لطبقة الأثرياء الجدد أو "الحرامي" كما هو الحال في واقع "المواطن" متمثلة في شخصية الحاج هاشم صاحب البيت الجديد _ويلعب دوره صلاح عبد الله_ الذي يريد إخلاء السكان للمنزل ليبني مكانه مول، وأمام رفض يحيى الرحيل وفرانشيسكا التي لا تعرف لها مكانًا سوى ذلك البيت يتجدد الصراع بين يحيى والحاج هاشم وصبيانه الذين تركهم لحراسة العقار ومراقبة يحيى في الطالعة والنازلة !! ..


عودة لعالم داوود عبد السيد ..



عمل داوود عبد السيد على إضفاء طابع الحلم على فيلمه "رسائل البحر"، فنجد ذلك في الطريقة التي كان يبدأ بها يحيى يومه الذي يحمل له مرحلة جديدة في حياته وكيف ينتهي اليوم وقد تلاشي كل شئ كالحلم، يبدأ في القاهرة ليتلاشي بيته الكبير وينتهي في شقتهم القديمة بالأسكندرية وقد صار صيادًا، كارلا التي دخلت حياته تُحدثه عن أيام الطفولة لتتلاشي في النهاية وكأنها كانت شبحًا، وكذلك مشهد النوة وشجارة مع البحر ليستيقظ بعدها ليجد رسالة من البحر في زجاجة يحاول طوال رحلته فهمها !! ..

ساعد على ذلك بالطبع الصورة السينمائية الرائعة التي قدمها مدير التصوير أحمد المرسي والكادرات التي تم اختيارها بعناية لتقدم بانوراما حية لمدينة الإسكندرية، حتى الموسيقي التصويرية للعظيم راجح داوود التي استهلت مقدمتها من موسيقي "أرض الخوف" ورحلة آدم على الأرض لتلاحقها موسيقي "الكيت كات" ولحظات "الشيخ حسني" وهو يتحسس خُطاه، قليلاً وتنبعث بعدها موسيقي وكأنها "ألف ليلة وليلة" ليكمل على إيقاعها يحيى تغريبته هو الآخر في عالم داوود عبد السيد.





**************************