الخميس، 17 مارس 2016

نظرة على فيلم Atonement




على عكس الأفلام البريطانية الأخرى الغارقة في عوالم الكلاسيكية التي تدور أحداثها في القرن الماضي يأتي فيلم Atonement بقصة تبدو للوهلة الأولى بسيطة إلا أنها خارج الصندوق. 

الفيلم مأخوذ عن رواية تحمل نفس الاسم "لإيان ماكوين"، من بطولة "جيمس ماكفوي" و"كيرا نايتلي" في ثان تعاون لها مع المخرج "جو رايت"، حيث قدم هذا الثنائي مجموعة من الأفلام المقتبسة عن روايات كلاسيكية حققت نجاحًا كبيرًا وحصدت الكثير من الجوائز، وهي Pride and Prejudice عام 2005، و Atonement عام 2007، و"آنا كارنينا" عام 2012. 


********************

Atonement .. عن الحقيقية وكيف تراها



تدور أحداث الفيلم في أحد الأيام الصيفية عام 1935، حول عائلة الفتاة الصغيرة "برايني تاليس" التي تستعد لاستقبال أخيها "ليون" الذي يحضر إلى المنزل برفقة ملك الشيكولاتة "بول مارشال" لقضاء يوم مع العائلة في الريف الإنجليزي..


يستعد "روبي / جيمس ماكفوي" ابن مربية المنزل للانتقال للمدينة لدراسة الطب ويحاول التقرب من "سيسيليا / كيرا نايتلي" التي تواجهه بصد مشاعره رغم انجذابها هي الأخرى إليه .. يمضي "روبي" طوال النهار محاولاً كتابة خطاب اعتذار لسيسيليا عن تصرفاته الحمقاء تجاهها، يكتب "روبي" عدة مسودات للخطاب توضح إحداها ميله الجنسي لسيسيليا، يطلب "روبي" من "برايني" أن تعطي الخطاب لسيسيليا إلا أنه يكتشف أنه سلمها الرسالة الخاطئة وليس رسالة الاعتذار..


تقرأ "برايني" الخطاب وتعتقد أن "روبي" شخصية منحرفة ولديه هوس جنسي بشقيقتها، يصارح كل من "روبي" و"سيسيليا" بحبه للآخر، ولكن عندما يقع اعتداء على "لولا" قريبة العائلة في حديقة المنزل تتهم "برايني" روبي بأنه الفاعل، فيتم إلقاء القبض عليه ويُخير بين السجن والحرب فيختار الحرب التي ربما تمنحه شرفًا عند عودته منها فيستطيع الزواج من "سيسيليا" والعيش سويًا دون عار.


تسير أحداث الفيلم في خطين متوازيين، أحدهما الأمور والأحداث كما شاهدتها "برايني"، والخط الآخر هو الحقيقة كما هي؛ فيُعرض المشهد مرة من وجهة نظر "برايني" يتبعه المشهد مرة أخرى على حقيقته وليس كما ظنت هي، حيث يلعب كل من المونتاج و زوايا التصوير دورًا في خلق نفس المشهد إلا أنك تراه في كل مرة كمشهد جديد تكتشفه لأول مرة متحررًا من الطريقة التي رأته به "برايني".



عن الإضاءة والموسيقى التصويرية


تلعب الإضاءة والموسيقي التصويرية دورًا كبيرًا في أحداث الفيلم، حيث استخدم المخرج "جو رايت" ومدير التصوير "سيموس ماكجرافي" الإضاءة للتعبير عن النظرة الضيقة والسطحية التي كانت تحكم بها "برايني" على الأمور أو لحظات التنوير التي تكتشف فيها الحقيقة ..

كمشهد المصباح الكهربي، في غرفة المكتب المظلمة، الذي ظلت عينا "برايني الصغيرة" مثبتتا عليه قبل أن يسقط الضوء على "سيسيليا" و"روبي" فتكتشف وجودهما سويًا ..

أو مشهد سقوط ضوء الكشاف على قريبتها "لولا" ووجه من كان يحاول الاعتداء عليها دون أن تميز من هو، إلا أن عقلها صور لها أنه "روبي". 

كما استطاع الإيطالي "داريو ماريانيلي" صناعة موسيقي تصويرية من تكات الآلة الكاتبة لتكون مصاحبة لمشاهد الذروة في الفيلم ..

كمشهد قراءة "برايني" لخطاب "روبي"، أو مشهد التنوير في عقل "برايني" عندما تكتشف حقيقة من اعتدى على "لولا"، ولحظة مكاشفة "سيسيليا" و"روبي" بهذه الحقيقة ..

ويأتي مشهد القطار بعد مشهد المكاشفة، حيث تمتزج الإضاءة بالموسيقي التصويرية لتشكل حالة سينمائية واحدة، تسقط الإضاءة على وجه "برايني" بشكل متقطع وكأن الخط الفاصل بين الحقيقة ونقيضها كغفلة وإفاقة، وتأتي الموسيقي التصويرية لتكات الآلة الكاتبة في خلفية المشهد وكأن التكات في عقل "برايني" نفسها، التي جلست بوجه يملأه الجمود وعينين من زجاج !! 

  

السر في عينيها 

كان لنظرات "برايني" على مدار الأحداث دورًا في التعبير علي مراحل التطور النفسي التي عاشتها الشخصية وكيف سيطرت أحداث ذلك اليوم على حياتها .. 

فتأتي نظرات "برايني" ذات 13 عامًا والتي لعبت دورها "سيرشا رونان" لتعبر عن النظرة الضيقة التي كانت تحكم بها على الأمور، خالية من الندم وهي تتهم "روبي" أمام الشرطة باعتدائه على قريبتها .. 

على عكس نظرات "برايني" وهي في الـ18 عامًا وقد تحجرت الدموع في عينيها وأُرق جفناها من البحث عن المغفرة، وبوجه شاحب وكأن الحياة فارقته تلعب "رومولا جاراي" دور برايني التي ظل شبح تلك الليلة يطاردها، فتلتحق للعمل بالتمريض فترة الحرب وتظل تبحث في الوجوه وتستمع إلى الحكايات وكأن كل ضحايا الحرب هم "روبي"، تجلس إلى آلتها الكاتبة محاولة أن تكتب شيئًا فلا تستطيع سوى الكتابة عن أحداث تلك الليلة، فلا تظفر سوى بحكاية تبحث عن المغفرة بين سطورها .. 

تلعب "فينسا ريدجرايف" دور "برايني" وقد تجاوزت الـ70 من عمرها وهي في أحد اللقاءات التلفزيونية، فيأتي الحوار بين "برايني" ومقدم البرنامج وكأنه جلسة اعتراف، لتجلس بعدها بنظرات امرأة قد انهت لتوها اعترافها في انتظار المغفرة لتتطهر من خطاياها !! 

لم يكن السر في عيني "برايني" وحده هو الذي جاء ليعبر عن كيفية تأثر ذلك اليوم على حياتها، بل جاءت أيضًا الملابس متمثلة في ثوب "برايني الصغيرة" وكذلك قصة شعرها اللذين صاحباها على مدار مراحل حياتها الثلاث طوال أحداث الفيلم، وكأن الزمن قد توقف عند ذلك اليوم !!


مشاهد سينمائية 



مجموعة من المشاهد السينمائية التي لا يمكن أن تُمحي من ذاكرة المشاهد وخاصة الرومانسية منها، قدمها المخرج "جو رايت" من خلال فيلمه Atonment، والتي عبرت عن تَبدُل حال أبطال الفيلم والصدمة النفسية التي عاشوها بعد واقعة القبض على "روبي" واكتشاف "برايني" للحقيقية . فكان مشهد "روبي" وهو يتأمل الطائرة من نافذة السقف وهو في حوض الاستحمام التي كانت تمثل له حلم "سيسيليا" ودراسة الطب وبدء حياة جديدة، ومشهد انعكاس الطائرات على صفحة بركة طينية يدوسها بقدمه أثناء الحرب.

كذلك مشهد "برايني" في ساحة المستشفى لحظة استقبال الجرحى وهي تبحث في الوجوه عن وجه "روبي" وكأنها اكتشفت الجحيم الذي ألقت "روبي" فيه وأتى منه هؤلاء، وهناك أيضًا مشهد وداع "روبي" لـ "سيسيليا" وهو يعدو خلف الحافلة هو أحد (الكليشيهات) الرومانسية المحببة للنفس الراسخة في وجدان السينما العالمية. 

قدم المخرج "جو رايت" واحدًا من المشاهد العظيمة في تاريخ السينما والملهمة لدارسيها أيضًا، وهو مشهد الـ Long Take الذي استغرق 5 دقائق كاملة، حيث تتحرك الكاميرا مع "روبي" على الشاطئ الفرنسي، لترصد حالة الجنون التي أصابت جنود الجيش البريطاني وهم في انتظار سفن النجاة للعودة للديار مرة أخري، يعقبه مشهد انعكاس الحبيبين من أحد الأفلام السينمائية علي الحائط ووقوف "روبي" أمامها يبكي فراق حبيبته "سيسيليا". 





********************


هناك تعليقان (2):

  1. فلم رائع و طرح جيد جدا 💗

    ردحذف
  2. اتمنى بأن القى فيلم بهذا المستوى من البراعة 💜

    ردحذف