الاثنين، 3 أبريل 2017

"أحمد زكي".. رحلة من العثرات صنعت "الأسطورة"






ربما صاحبت بدايات "أحمد زكي" الكثير من العثرات التي كانت تقف عقبة في طريق خروج موهبته للنور وصناعة انطلاقة حقيقة وقوية له في السينما، كالتي صنعها على المسرح، من خلال مسرحية (مدرسة المشاغبين) مع بداية عام 1973. تأتي فرصة العمر له حين يختاره "ممدوح الليثي" ليلعب دور البطولة أمام “سعاد حسني” في فيلم (الكرنك) عن رواية لنجيب محفوظ، وكان "الليثي” يعمل على السيناريو والحوار الخاص بها ليقدمها علي شاشة السينما، إلا أن المنتج “رمسيس نجيب” قد لاقى ترشيح "زكي" للدور بالرفض قائلا: "وهو معقوله الناس تصدق إن السندريلا تحب الواد ده؟!".

لم يكن "رمسيس نجيب" إلا كغيره من المنتجين في ذلك الوقت، يلعب السينما بالطريقة التقليدية التي لم تكن تعرف من البطل سوى جان في وسامة "رشدي أباظة"، فلم يكن مدركًا لتغير الواقع المصري من حوله الذي كان يبحث في السينما عن بطل يشبه أهل مصر.

يطارد اليأس “أحمد زكي” مع ضياع أول فرصة حقيقة له في السينما، فقد أتى من بلدته إلى القاهرة مدفوعًا بشغفه وحبه للسينما، إلا أنها مازالت ذلك الحلم صعب المنال بالنسبة له، لكن في منزل “صلاح جاهين” يلتقي بـ”سعاد حسني” التي تمنحه الأمل مرة أخرى على وعد بعمل آخر يجمع بينهما قريبًا


"شفيقة ومتولي" .. مشروعه مع شاهين الذي لم يكتمل
















تجتمع "سعاد حسني" مع "أحمد زكي" مرة أخري عام 1978 لتنفيذ مشروع سينمائي أعد له "صلاح جاهين" السيناريو والحوار في معالجة للسيرة الشعبية (شفيقة ومتولي) ولكن هذه المرة مع المخرج العالمي "يوسف شاهين". إلا أن الرياح تأتي بما لا تشتهي السفن، فيعتذر المخرج “يوسف شاهين” عن العمل بسبب وعكة صحية أصابته ليحل محله تلميذه “علي بدرخان” وهو مخرج فيلم (الكرنك)، وكأن القدر ينمح "زكي" فرصة أخرى ليُظهر موهبته الحقيقية ويصنع مجده الخاص علي شاشة السينما، بنفس تفاصيل الفرصة الضائعة

وعلى الرغم من أن الفيلم قد ضم العديد من الفنانين الذين وقفوا أمام سعاد حسني أو "شفيقة" في مراحل حياتها داخل أحداث الفيلم كـ"أحمد مظهر" و"جميل راتب" والوجه الجديد "محمود عبد العزيز" صاحب الملامح الأجنبية ومواصفات الجان من وجه نظر المنتج "رمسيس نجيب"، إلا أن "أحمد زكي" صنع نجومية ونجاح منقطع النظير وسط كل هذا الزحام الفني، بسبب طبيعة الدور الذي كان يؤديه، فمع تلك اللحظة التي يُفرق فيها الظلم بين "شفيقة" و"متولي" ليرحل ويعمل بالسُخرة في حفر القناة تردد هي صارخةً: "مليش عيش بعدك يا متولي"، ويظل حلم العودة إلى أخته يطارده طوال رحلته، ليحتفظ "زكي" بمظهر البطل الخائف على أخته التي تركها خلفه، في الوقت الذي يسعى الباقون فيه إلى أن ينهشوا عرضها

ويأتي مشهد النهاية في الفيلم ليكون أحد المشاهد الخالدة في تاريخ السينما حين يحمل "متولي" جثة أخته "شفيقة" التي قُتلت أمام عينه على يد من استعبدوه واستعبدوها، فيحملها والدموع في عينيه ليبدأ بالطواف بها كالتائه.


"موعد علي العشاء" .. "أحمد زكي" يعيد إلي "سعاد" بريق عينيها





في العام 1981، يتجدد اللقاء مرة أخري بين "أحمد زكي" و"سعاد حسني" في فيلم (موعد على العشاء) ولكن هذه المرة مع المخرج "محمد خان" الذي قدم قصة سينمائية تدور أحداثها حول "نوال/ سعاد حسني" المتزوجة من "عزت" ويلعب دوره "حسين فهمي"، الذي تخلي هو الآخر عن وسامته فقرر أن يظهر بصورة رجل الأعمال المتسلط الذي لا يرى في زوجته "نوال" إلا قطعة ديكور تزين منزله وتشبع رغباته على عكس ما كان عليه فترة الخطوبة، فتطلب هي الطلاق

تظهر "سعاد حسني" أو "نوال" في النصف الأول من الفيلم وقد فقدت بريقها وحيويتها وازدادت عمرًا علي عمرها وسط الكثير من الدموع والحزن والشعور بالوحدة، قبل أن يظهر “شكري” أو “أحمد زكي” صاحب المؤهل العالي في الفنون الجميلة إلا أنه يعمل مصففا للشعر في المحل الذي تتردد هي عليهفينمح أحمد زكي “سعاد” بعض اللحظات الرومانسية على شاشة السينما تستعيد بها بريق عينيها الذي اختطفه منها تيار الواقعية الذي سيطر علي السينما في تلك الفترة، لتظهر دائمًا وقد غُلبت علي أمرها وتواجه واقعها والدموع في عينيها.

وعلى الرغم من أن دوره يبدو أصغر إذا تمت مقارنته بدور "سعاد" أو "حسين فهمي" علي الشاشة، إلا أن لحظات الحب التي يصنعها "خان" هي دائمًا الأبقى في ذاكرة المشاهد وخاصة إذا كانت لأحمد زكي.


النمر الأسود .. "روكي" السينما المصرية
















يظل فيلم (النمر الأسود) من الأفلام الخالدة في ذهن المشاهد المصري، وهو مقتبس عن قصة حقيقية عن "محمد حسن المصري" عامل الخراطة الذي احترف الملاكمة في ألمانيا ووقع في غرام "هيلجا" الخوجاية التي تشع نورًا وتناديه "مهمد"، ليصنع "أحمد زكي" من ذلك الدور صورة للبطل الشعبي المصري كما تمني أن يراه الجمهور علي شاشة السينما.

لم يكن دور لاعب الملاكمة الذي قدمه "أحمد زكي" في فيلم (النمر الأسود) هو الوحيد علي مدار مشواره الفني، فقد لعب "زكي" دور لاعب الملاكمة أكثر من مرة علي شاشة السينما، فهناك فيلم (كابوريا) الذي تدور أحداثه حول "حسن هدهد" الشاب الفقير الذي يهوى الملاكمة و يحلم بالوصول إلى الأوليمبياد، ويشارك في حلبات الملاكمة في الحى الشعبي الذى يقطن فيه، وتتبدل أحواله حين يلتقي بـ"حورية/ رغدة" زوجة أحد المليونيرات للمشاركة في مباريات ملاكمة في قصرها مقابل مكافآت مالية في الوقت الذى تخضع فيه المباريات للمراهنات.

وكذلك دور "حودة النجار" في فيلم (البطل) لـ"مجدي أحمد علي" الذي قدمه عام 1998، عن ذلك الشاب الذي يرتبط مصيره بمصير الزعيم "سعد زغلول" يوم أن صافحه في الأسكندرية، ويظل يرسل إليه خطابات في منفاه طوال أحداث الفيلم.






البرئ .. حكاية أحمد سبع الليل و "الوطن"
















ربما كان فيلم البريء هو علامة فارقة في مشوار كل من "أحمد زكي" والمخرج "عاطف الطيب"، عن حكاية "أحمد سبع الليل" الشاب القروي الذي يلتحق بالقوات المسلحة بناءً علي نصيحة “حسين وهدان” الشاب الجامعي الذي لعب دوره “ممدوح عبد العليم”. 

فيعمل "سبع الليل" في حراسة المعتقلات، وهناك يتم غسل مخه بأن كل من في المعتقل هم أعداء الوطن، فيتحول "سبع الليل" إلى أداة في أيديهم للضرب والقتل إذا اقتضى الأمر. إلا أنه يكتشف الحقيقة مع تلك اللحظة التي يرى فيها “وهدان” ابن قريته أمامه في المعتقل، ويقضي معه الليل في زنزانة واحدة.


أربعة في مهمة رسمية .. قصة حب مع القرده "دلال"





تظل تجربة "أحمد زكي" في فيلم "البيضة والحجر" مع المخرج "علي عبد الخالق" هي الأشهر في السينما المصرية. فقد حقق الفيلم نجاحًا كبيرًا وقتها وحتي مع تزامن عرضة علي القنوات الفضائية فمازال الفيلم حتي الآن يتمتع بمشاهدة عالية

إلا أن هناك تجربة فيلم "أربعة في مهمة رسمية" التي جمعت بينهما في وقت سابق تعد فريدة من نوعها علي السينما المصرية حيث لعبت الحيوانات أدوارًا رئيسية في الفيلم وارتبط مصيرها بمصير البطل، وهو "أنور عبد المولي" الموظف في "بيت المال" بالأقصر _وهي مصلحة وهمية_  الذي يرتبط مصيره بالقرده "دلال" و"حمار" و"معزة" تطلب منه المصلحة تسليمها إلي فرع القاهرة لأنها قد صارت ملكًا للدولة بعد أن مات صاحبهم !! الفيلم يسلط الضوء علي فكرة البيروقراطية التي تعاني منها المصالح الحكومية

وقد حوي الفيلم الكثير من لحظات الأولفة والكوميديا بين "أحمد زكي" والقردة "دلال" مع بداية المشهد الأول بينهما علي الشاشة ومحاولة المخرج "علي بدرخان" السيطرة علي الكاميرا للالتقاط المشهد مع قفز "دلال" في كل مكان، وتقبيلها لأحمد زكي مقاطعة المونولوج الخاص به وسط ضحكاته.


ناصر 56 .. البداية مع السير الذاتية















كانت بداية "أحمد زكي" في مسرحية (هاللو شلبي) مع "عبد المنعم مدبولي"، وقد لفت إليه الأنظار من خلال دور عامل الفندق البسيط الذي يحاول اقناع "عنبر" صاحب الفرقة المسرحية بمواهبة التمثيلية. وقد لاقي ذلك المشهد الذي كان يؤديه مقلدًا "محمود المليجي" تصفيقًا حادًا من جمهور المسرح. ولم تتوقف المواقف التي كان يقلد فيها "أحمد زكي" الفنانين ففي أحد مقاطع الفيديو علي موقع يوتيوب يظهر "زكي" مقلدًا نجوم السينما علي خشبة المسرح ضمن سهرة في مهرجان السينما بدمشق عام 1990 وسط ضحك وتصفيق الحاضرين

إلا أنه لم يأخذ خطوة جدية في تقدم السير الذاتية علي شاشة السينما إلا في عام 1996 مع فيلم (ناصر 56)، لتختفي مع هذا الفيلم ألوان السينما فيظهر بالأبيض والأسود ليتيح الفرصة لأحمد زكي لكي يلعب دور الرئيس الراحل "جمال عبد الناصر"،  فلم يعد املامح الوجه أو لون البشرة تستطيع أن تقف حاجزًا أمام موهبة أحمد زكي الفريدة من نوعها في السينما المصرية.





********************************

نُشر في موقع "صوت مصر" بتاريخ 29/3/2017


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق