الأربعاء، 25 يناير 2017

نظرة علي فيلم Train Of Salt And Sugar



يوم جديد من أيام مهرجان القاهرة، أقف حائرة وأنا أمسك ورقة العروض، أحاول اختيار الفيلم الذي سأقوم بمشاهدته، أمرر نظري علي الجدول بحثًا عن عروض الـ3:30، فقد حالت ورشة أسبوع النقاد بيني وبين مشاهدة أي عروض أُخري، فلا شئ سوي مشاهدة أفلام الـ3:30، والحديث عن أفلام الـ3:30، والكتابة عن أفلام الـ3:30 !! .. 

أُلقي نظرة علي الأفلام المعروضة في ذلك الوقت فلا أجد سوي فيلم أفريقي وهو (قطار الملح والسكر) وهو أحد أفلام المسابقة الدولية، وأخري قد حملت جميعها طابع الأكشن، وبين الخوف من تراجيديا الأفلام الأفريقية أو خيبة أمل أفلام أكشن ليس لديها هوية وتحمل جميعها الصفات الوراثية للأفلام الأمريكية وارد التسعينيات وبداية الألفينات التي توقفت أمريكا نفسها عن إنتاجها، أحجز مقعدًا لأشاهد السينما الأفريقية فهي علي الأقل سينما جديدة أقابلها لأول مرة، ولكن المفاجأة كانت تنتظرني داخل صالة العرض !! 


حكايات عن رجال حملوا السلاح



في العام 1977 يصل المخرج "ليتشينيو دي أزيفيدو Licínio De Azevedo" إلي موزمبيق للعمل في المعهد القومي للسينما والبحث في قصص حرب الإستقلال التي سيُشكل منها النص الأساسي لعمل فيلم روائي طويل، وكانت أولي الأبحاث التي قام بها للمعهد القومي للسينما والتي نشرها في أول كُتبه هي (حكايات عن رجال حملوا السلاح)، وهي مجموعة من القصص الحقيقة التي حدثت في ميدان المعركة قرابة الثلاثة أشهر في سهول مويدا شمال موزامبيق، وهي أولي المناطق التي تم تحريرها أثناء الحرب. 

لاحقًا يقوم "أزيفيدو" بصناعة الأفلام عن طريق المزج بين ما هو وثائقي وما هو روائي، فيستخدم البناء الدرامي المستخدم في الأفلام الروائية في أفلامه الوثائقية، أما أفلامه الروائية فهي دائمًا عن أحداث حقيقة، وفيلم (قطار الملح والسكر) هو نتاج تلك الطريقة الخاصة في السرد السينمائي !! 



حكايات عن قطار الملح والسكر



"إنه العام 1988، بعد سنوات من كفاح موزمبيق للحصول علي الإستقلال، تجد موزمبيق نفسها وسط الحرب الأهلية" .. 

هكذا بدأ المخرج "ليتشينيو دي أزيفيدو" فيلمه بتلك الجمل السريعة علي شاشة السينما عن تاريخ ومكان الأحداث، ليجعلك في لحظة تتخلي عن تلك النظرة الضيقة للدول الأفريقية التي لا تعرف منها سوي المجاعات والحروب الأهلية من نشرات الأخبار والتي جعلت الكل لديك سواء، فهي الآن بتلك الكلمات تٌعلن عن نفسها كدولة في عقلك، لها تاريخ حمل أحداثًا هامة لأهلها يجب أن تحترمه ..

يُكمل "أزيفيدو" كلماته قبل إنطلاق الأحداث، بسرد سريع للأجواء عن أولئك الذين يسافرون بالقطار وسط خطر الحرب الأهلية من موزمبيق إلي ملاوي لمقايضة الملح بالسكر من أجل الحصول علي كوب من الشاي!! ..

الفيلم يحدث داخل أجواء كليشيهات نشرات الأخبار إلي جانب الحكاية التاريخية العجيبة عن الملح والسكر، فإلي جانب المسافرين هناك الجنود الذين يقومون بحماية القطار ضد هجمات المتمردين ..

يُخلصك "أزيفيدو" من كل عقدك أو تجاربك السابقة مع السينما بشكل عام .."حسنًا أنا لن أحدثك عن تاريخ موزمبيق ولا عن تلك الكليشيهات التي تسمع عنها في نشرات الأخبار، أنا لن ألتزم بقواعد السرد السينمائي المتعارف عليها ولن أسير علي خطوط، لندع كل هذا جانبًا، فكل شئ هنا عن الدراما والتجارب الإنسانية ولا شئ سوي ذلك" !! .. 

يسير الفيلم في عدة خطوط وليس خط واحد، فكل حكاية من حكايات شخصيات القطار هي خط درامي يسير ليتقاطع مع باقي الحكايات الأخري، وقد جعل "أزيفيدو" من الحكايات الجانبية لمسافري القطار هي الخطوط الرئيسية لحكايته أما النقط الأساسية لصناعة الحبكة هي شئ ثانوي كان يتجاوزها علي الشاشة سريعًا وأحيانًا بالقطع الحاد أثناء المونتاج وكأنها ليست بالشئ الهام كمشهد إغتيال زعيم المتمردين مثلاً الذي ظهر علي الشاشة فجأة ودون ضجة تُصاحب ذلك العمل الذي كان يسعي إليه الجنود طوال الرحلة، ليجعلك "أزيفيدو" تغرق في القصة الإنسانية بدلاً من الجري خلف التجربة الفيلمية المعتادة. 

ينطلق قطار الملح والسكر وقد حمل علي متنه أولئك الحالمين بالمجتمع الجديد بعد الإستقال، فهناك "روزا" الفتاة التي تحلم بمجتمع قائم علي العلم بعيدًا عن الخرافة فتنطلق في تلك الرحلة من أجل الحصول علي عمل كممرضة في المستشفي الجديد حيث ينتهي شريط ذلك القطار. وهناك أيضًا "تيار" وهو أحد الضباط المصاحبين للقطار الذي درس العسكرية بالخارج ويحلم بمجتمع جديد يُلتزم فيه بقوانين الحرب بعيدًا عن الهمجية أوالعصبية القبلية إلا أنه يصطدم بأحد الضباط أثناء الرحلة، "سلماو" وفرقته التي تقوم بالإعتداء علي المسافرين داخل القطار ولا يستطيع أحد ردعه حتي القائد نفسه، بحجة أنه من أبطال الإستقلال !!  

وإلي جانب محاولات الجميع البحث عن المستقبل أثناء الرحلة تظل الأجواء الأفريقية التي تحمل طابع السحر والخرافات صاحبة حضور قوي داخل الأحداث، فتنشأ منها حكايات وتنتهي أخري ويُصنع منها نقاط التحول، فنجد أحد المسافرين علي القطار وقد اصطحب زوجته وطفلهما الصغير في طريقهما إلي زيارة معالج في أحد القري علي أمل أن يمنح ابنهما الصحة، أو حين يسقط قائد الجنود بسبب انفجار أحد الألغام ويُحمل إلي داخل القطار ليستيقظ في اليوم الثاني ويصبح معجزة !!، وقد ساعد القطع الحاد في مونتاج تلك اللحظات السينمائية علي إيصال تلك الفكرة حتي في لحظة إعلان "تيار" حبه لـ"روزا"، نشعر أن كل شئ سهل وبسيط في ذلك المكان صاحب الفِطرة الأولي للطبيعة، فيمكن لمرأة أن تقع في حب رجل بين ليلة وضحاها وتقفز معه في البحيرة بسهولة ليحلمان بعدها سويًا بالأطفال، وكل ذلك في ثلاث لقطات سينمائية متتالية فقط يكملان بها خليط الأحلام داخل قطار الملح والسكر!! 




*******************************

تريلر الفيلم:





*******************************



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق