السبت، 8 أبريل 2017

"مارلون.. استمع إليّ".. الوجه الحقيقي لمارلون براندو





الكثير من الوجوه، والإيماءات، وتعبيرات الوجه ما بين السعادة والحزن، رسمها مارلون براندو بملامحه طوال مسيرته الفنية على شاشة السينما ليصنع من خلالها أسطورته الشخصية ويصبح أعظم ممثلي عصره. يرحل براندو عن عالمنا بعد مسيرة فنية حافلة وحياةً غلفها طابع العزلة، وقد ترك خلفه كل هذه الوجوه التي لا نعرف من بينها أيهم كان هو الوجه الحقيقي لمارلون براندو.

وعلي الرغم من رحيل براندو عن عالمنا، إلا أن جمهوره كان على موعد مع تجربة فيلمية فريدة من نوعها يقدمها هو عى شاشة السينما بعد ما يُقارب العشرة أعوام على رحيله، ليروي سيرته الشخصية علينا ويعلن عن الوجه الحقيقي له.   


"مارلون .. استمع إلي"


يستعد الإنجليزي ستفين رايلي للإعداد لمشروعه السينمائي الجديد عن حياة "مارلون براندو"، ليجد نفسه أمام مجموعة لا نهائية من الأشرطة الصوتية التي وصل عددها إلى ما يُقارب الـ300 شريط، سجلها براندو على مدار حياته ما بين جلسات للتنويم المغناطيسي الذاتي Self Hypnosis، وتسجيلات لمكالمات الهاتف التي حوت مكالمات للمعجبين كان يحتفظ بها، إلى جانب تسجيلات لمكالمات شركات إنتاج تحمل عروض أفلام جديدة له. 

ولكن الكنز الحقيقي الذي عثر عليه ستفين رايلي ليصنع فيلمه كانت تسجيلات جلسات التنويم المغناطيسي التي كان يقوم بها براندو، حيث كان يجلس بالساعات أمام المسجل وهو يحاول استرجاع أهم اللحظات في حياته وخاصة "البداية" ليصل إلى تلك العقدة التي ظلت تؤرقه وتطارده طوال حياته، ليحاول التخلص منها والوصول بنفسه إلى مارلون أفضل مما هو عليه. 

وقد استوحى رايلي الاسم لمشروعه الوثائقي مع خلال تلك التسجيلات، فأطلق عليه "مارلون، اسمتع إلي" أو Listen To Me Marlon. فيأتي هذا الفيلم بمثابة تحليل نفسي يقوم به براندو لنفسه ليكشف لنا عن شخصيته وحياته الخاصة.

وإلى جانب الأشرطة الصوتية كان هناك مجموعة من الصور الخاصة بمارلون براندو والتي تم عرضها لأول مرة، بالإضافة إلي مجموعة من الأحاديث التلفزيونية والتقارير التي استعان بها ستيفن رايلي وأعاد توظيفها على شاشة السينما لتشكل كل منها في ترتيبها الزمني على الشاشة مرحلة من مراحل حياة مارلون. 




البداية مع السينما .. من أرصفة نيويورك إلي الأوسكار



مع بداية الأحداث في الفيلم نستمع إلى صوت مارلون وهو يتحدث عن طفولته وشبابه في مدينة أوماها، وكيف استقل سطح ذلك القطار ليصل إلى مدينة نيويورك بجورب مليئ بالثقوب، فكان يقضي وقته بين الثمالة والنوم على الأرصفة دون أن يزعجه أحد. يستكمل مارلون سرده الذاتي عن أيامه في نيويورك فيتحدث عن أمتع اللحظات في حياته حين كان يقف على ناصية ذلك الشارع في برادواي متأملاً وجوه المارين به، محاولاً تحليل شخصياتهم أو تخيل القصص التي تخفيها وجوههم، وكيف كان يمنحه ذلك شعورًا بالتواصل مع الآخرين. 

يتحدث مارلون في ذلك الفصل من حياته عن تحوله إلى ممثل بالصدفة، عندما التحق بمعهد البحوث الاجتماعية بنيويورك وتعلمه التمثيل على يد ستيلا آدلر التي جعلته جزءًا من عائلتها ووقفت إلى جانبه في الوقت الذي كان يشعر فيه بالعزلة والضياع، وكيف رآت فيه ما لم يراه غيرها، فجعلته قادرًا على صناعة شئ في حياته يمكن أن يقال عنه يومًا أنه قد برع فيه. 

يتناول المخرج ستفين رايلي في ذلك الفصل أيضًا النجاح الكبير الذي حقيقة مارلون براندو من خلال فيلم "On the Waterfront" وكيف استطاع بأدائه الحصول على الأوسكار وذلك من خلال بعض الأحاديث المصورة ومقاطع من الفيلم. إلا أنه عند الرجوع إلى تسجيلات براندو الذاتية يكشف لنا أن أفضل لحظاته بالنسبة لجمهوره على الشاشة ما هي إلا أسوأ اللحظات إلى قلبه. ليضع المخرج ستفين رايلي مع وصول مارلون إلى هذه النقطة يده على العقدة التي ظلت تؤرقه طوال حياته، وهو محاولته أن يصنع لنفسه صورة مغايرة لتلك التي كانت لدى والده. فعندما يطلب منه المخرج أن يشتعل غضبًا على الشاشة أو يُمارس نوعًا من العنف كان يتذكر والده عندما كان يضرب والدته وهو في الرابعة عشر من عمره. ليبدأ الفيلم مع هذه النقطة التعرض للمزيد من الجوانب المظلمة من حياة مارلون براندو في محاوله للكشف عن الوجه الحقيقي له، الذي وصف الوجه القاسي منها بأنه وجهًا لا يمكنه الاعتراف به. 




هوليوود تُدير ظهرها للأب الروحي 



يستكمل الفيلم عرضه للمزيد من الجوانب الإنسانية لأسطورة السينما مارلون براندو، فيتطرق إلى مرحلة النجاح والشهرة التي وصل إليها بعد حصولة على جائزة الأوسكار، وكيف تعامل والده مع هذا النجاح، ويتطرق الفيلم أيضًا إلى المرأة في حياة براندو؛ والدته وكيف كان متعلقًا بها في صغره، المعجبات وكيف كان محاصرًا بهم بعد شهرته، فشل زيجته الأولى وكيف منحه ذلك نوعًا من عدم الاتزان خشية أن يحظى طفله بتجربة مماثلة لتجربه الشخصية في أن يحيا وسط أسرة مفككة.

يتحدث الفيلم أيضًا عن مرحلة غامضة من حياة براندو حين فرض على نفسه الغزله في جزيرة تاهيتي، التي تعلق بها منذ كان طالبًا بالمدرسة العسكرية حيث كان يقضي وقته مطالعًا وجوه أهلها في موسوعة ناشيونال جيوغرافيك، حتي أنه قبل العمل في فيلم "Mutiny on the Bounty" ليس فقط إلا لأن أحداثه تدور في تاهيتي، فيترك هوليوود خلفه ليحيا هناك ويخوض تجربة الزواج والأبوة للمرة الثانية. 

ويتوقف الفيلم عند أهم الأفلام في مشوار مارلون براندو السينمائي وهو فيلم "الأب الروحي" The Godfather، فيُحدثنا "براندو" كيف خسر حياته المهنية بعد سنوات العزلة التي فرضها على نفسه حتى أنه عمل في مجموعة من الأفلام التي لا يذكر حتي اسمها جعلت مُنتجي الأفلام يفقدوا الثقة في اسمه. فعندما بدأ المخرج فرانسيس كوبولا اختيار أبطال فيلمه "الأب الروحي" رشح مارلون براندو ليلعب شخصية دون كورليوني في أحداث الفيلم، ولكن لم يُبد المنتجين حماسة تجاه ترشيح كوبولا لبراندو، فما كان من براندو إلا أن وضع القطن في جانبي فكه وأخذ يتحدث بطريقة دون كورليوني الهادئة الشهيرة لإقناع المنتجين في ذلك الوقت بقبوله لأداء الدور. 


"التانجو الأخير في باريس" .. الوجه الحقيقي لبراندو




تعتبر تجربة مارلون براندو في فيلم "التانجو الأخير في باريس" Last Tango in Paris هي التجربة الأقرب إلى شخصيته الحقيقية، فقد منح شخصية بول التي لعبها في الفيلم الكثير من روحه، فاختلط واقعه بواقع بول فكانت التجربة الأكثر إيلامًا بالنسبة له على شاشة السينما؛ فقد كان مهوسًا بالعزلة.

يطلب المخرج برناردو برتلوتشي من مارلون براندو أن يمنحه شيئًا حقيقًا من حياته فيفرد له مشهدًا إرتجاليًا على شاشة السينما يتحدث فيها عن ماضيه، فيحدثنا براندو عن تلك العقدة التي لازمته منذ طفولته في مشهد أقرب إلى جلسه للعلاج النفسي، وفي المقابل ينمحه برتلوتشي الكثير من لحظات البكاء لكي يُفرغ فيها غضبه تجاه كل ما كان يؤرقه، وأيضًا الكثير من لحظات الحب على الشاشة وهو ما كان يبحث عنه براندو في حياته.


"براندو" والسياسة الأمريكية

بدأ احتكاك مارلون براندو بالسياسة العالمية مع بداية عهده بمعهد البحوث الاجتماعية بنيويورك حيث كان أساتذته مجموعة من اليهود الفارين من هتلر، وقد أظهر براندو تعاطفًا كبيرًا معهم ووصفهم بأنهم قمة المجتمع الأكاديمي في ذلك الوقت.

ولم يكن هذا الرأي سوى بداية لمجموعة من الآراء والمواقف السياسية المثيرة للجدل، فقد شارك براندو في الحراك المدني الذي نظمه الأمريكان من ذوي الأصول الأفريقية للمطالبة بحقوق المواطنة، وقد منحه ذلك مكانة شرفية على المنصة عام 1963 يوم إلقاء مارتن لوثر كينج لخطابة الشهير "لدي حلم"، وعندما سؤاله عن أسباب مشاركته للاحتجاجات أجاب "كنت في مأزق فلسفي، فإن لم أكن أنا من يحمي أخي فمن يحميه؟، وشعرت حينها بواجبي تجاه الآخرين، فماذا لو كان ابني مكان واحد من هؤلاء". 

ولكن كانت أكثر مواقف براندو جدلاً هى لحظة استلام جائزة الأوسكار كأفضل ممثل عن دوره في فيلم "الأب الروحي" وإرساله لممثلة شابة من الهنود الحمر في زيهم التقليدي لترفض استلام الجائزة. توضح الممثلة الشابة للحاضرين أن سبب رفض مارلون للجائزة هو الصورة السيئة التي تتعمد هوليوود إظهار بها الهنود الحمر وهم السكان الأصليين للأرض التي يعيشون عليها الآن، وهو موقف مشابه لمقاطعة نجوم هوليوود حاليًا للأوسكار بسبب تجاهل الممثلين من أصول أفريقية واستبعادهم من الجوائز. إلا أن موقف براندو وقتها تزامن مع أحداث محاصرة قوات الجيش لجماعة من الهنود الحمر سيطرت على مدينة صغيرة في ولاية داكوتا الجنوبية. 

أما عن دوره في فيلم "Apocalypse now" والذي تدور أحداثه عن الحرب في فيتنام، يقول براندو"أتعجب من هؤلاء الأباء يقومون بارسال أبنائهم للحرب فقط ليجلبوا لهم مزيدًا من الفخر"، ويصف حرب فيتنام بأنها كانت الجحيم بعينه الذي أُرسل إليه خيره الشباب الأمريكي، ويعلن براندو تفضيله لشخصية دون كورليوني في فيلم "الأب الروحي" عن أي دور آخر قائلاً "فبرغم كونه زعيمًا للعصابات إلا أنه كان على استعداد قتل من يحاول الاقتراب من أبنائه". 

وعلى الرغم من الهجوم الشديد الذي كان يتعرض له مارلون براندو بسبب آرائه السياسية من وسائل الإعلام أو مجتمع السينما في هوليوود في ذلك الوقت، إلا أنه كان دائم الانتصار لإنسانيته.

    


********************************


نُشر في موقع "صوت مصر" بتاريخ 5/4/2017


الاثنين، 3 أبريل 2017

"أحمد زكي".. رحلة من العثرات صنعت "الأسطورة"






ربما صاحبت بدايات "أحمد زكي" الكثير من العثرات التي كانت تقف عقبة في طريق خروج موهبته للنور وصناعة انطلاقة حقيقة وقوية له في السينما، كالتي صنعها على المسرح، من خلال مسرحية (مدرسة المشاغبين) مع بداية عام 1973. تأتي فرصة العمر له حين يختاره "ممدوح الليثي" ليلعب دور البطولة أمام “سعاد حسني” في فيلم (الكرنك) عن رواية لنجيب محفوظ، وكان "الليثي” يعمل على السيناريو والحوار الخاص بها ليقدمها علي شاشة السينما، إلا أن المنتج “رمسيس نجيب” قد لاقى ترشيح "زكي" للدور بالرفض قائلا: "وهو معقوله الناس تصدق إن السندريلا تحب الواد ده؟!".

لم يكن "رمسيس نجيب" إلا كغيره من المنتجين في ذلك الوقت، يلعب السينما بالطريقة التقليدية التي لم تكن تعرف من البطل سوى جان في وسامة "رشدي أباظة"، فلم يكن مدركًا لتغير الواقع المصري من حوله الذي كان يبحث في السينما عن بطل يشبه أهل مصر.

يطارد اليأس “أحمد زكي” مع ضياع أول فرصة حقيقة له في السينما، فقد أتى من بلدته إلى القاهرة مدفوعًا بشغفه وحبه للسينما، إلا أنها مازالت ذلك الحلم صعب المنال بالنسبة له، لكن في منزل “صلاح جاهين” يلتقي بـ”سعاد حسني” التي تمنحه الأمل مرة أخرى على وعد بعمل آخر يجمع بينهما قريبًا


"شفيقة ومتولي" .. مشروعه مع شاهين الذي لم يكتمل
















تجتمع "سعاد حسني" مع "أحمد زكي" مرة أخري عام 1978 لتنفيذ مشروع سينمائي أعد له "صلاح جاهين" السيناريو والحوار في معالجة للسيرة الشعبية (شفيقة ومتولي) ولكن هذه المرة مع المخرج العالمي "يوسف شاهين". إلا أن الرياح تأتي بما لا تشتهي السفن، فيعتذر المخرج “يوسف شاهين” عن العمل بسبب وعكة صحية أصابته ليحل محله تلميذه “علي بدرخان” وهو مخرج فيلم (الكرنك)، وكأن القدر ينمح "زكي" فرصة أخرى ليُظهر موهبته الحقيقية ويصنع مجده الخاص علي شاشة السينما، بنفس تفاصيل الفرصة الضائعة

وعلى الرغم من أن الفيلم قد ضم العديد من الفنانين الذين وقفوا أمام سعاد حسني أو "شفيقة" في مراحل حياتها داخل أحداث الفيلم كـ"أحمد مظهر" و"جميل راتب" والوجه الجديد "محمود عبد العزيز" صاحب الملامح الأجنبية ومواصفات الجان من وجه نظر المنتج "رمسيس نجيب"، إلا أن "أحمد زكي" صنع نجومية ونجاح منقطع النظير وسط كل هذا الزحام الفني، بسبب طبيعة الدور الذي كان يؤديه، فمع تلك اللحظة التي يُفرق فيها الظلم بين "شفيقة" و"متولي" ليرحل ويعمل بالسُخرة في حفر القناة تردد هي صارخةً: "مليش عيش بعدك يا متولي"، ويظل حلم العودة إلى أخته يطارده طوال رحلته، ليحتفظ "زكي" بمظهر البطل الخائف على أخته التي تركها خلفه، في الوقت الذي يسعى الباقون فيه إلى أن ينهشوا عرضها

ويأتي مشهد النهاية في الفيلم ليكون أحد المشاهد الخالدة في تاريخ السينما حين يحمل "متولي" جثة أخته "شفيقة" التي قُتلت أمام عينه على يد من استعبدوه واستعبدوها، فيحملها والدموع في عينيه ليبدأ بالطواف بها كالتائه.


"موعد علي العشاء" .. "أحمد زكي" يعيد إلي "سعاد" بريق عينيها





في العام 1981، يتجدد اللقاء مرة أخري بين "أحمد زكي" و"سعاد حسني" في فيلم (موعد على العشاء) ولكن هذه المرة مع المخرج "محمد خان" الذي قدم قصة سينمائية تدور أحداثها حول "نوال/ سعاد حسني" المتزوجة من "عزت" ويلعب دوره "حسين فهمي"، الذي تخلي هو الآخر عن وسامته فقرر أن يظهر بصورة رجل الأعمال المتسلط الذي لا يرى في زوجته "نوال" إلا قطعة ديكور تزين منزله وتشبع رغباته على عكس ما كان عليه فترة الخطوبة، فتطلب هي الطلاق

تظهر "سعاد حسني" أو "نوال" في النصف الأول من الفيلم وقد فقدت بريقها وحيويتها وازدادت عمرًا علي عمرها وسط الكثير من الدموع والحزن والشعور بالوحدة، قبل أن يظهر “شكري” أو “أحمد زكي” صاحب المؤهل العالي في الفنون الجميلة إلا أنه يعمل مصففا للشعر في المحل الذي تتردد هي عليهفينمح أحمد زكي “سعاد” بعض اللحظات الرومانسية على شاشة السينما تستعيد بها بريق عينيها الذي اختطفه منها تيار الواقعية الذي سيطر علي السينما في تلك الفترة، لتظهر دائمًا وقد غُلبت علي أمرها وتواجه واقعها والدموع في عينيها.

وعلى الرغم من أن دوره يبدو أصغر إذا تمت مقارنته بدور "سعاد" أو "حسين فهمي" علي الشاشة، إلا أن لحظات الحب التي يصنعها "خان" هي دائمًا الأبقى في ذاكرة المشاهد وخاصة إذا كانت لأحمد زكي.


النمر الأسود .. "روكي" السينما المصرية
















يظل فيلم (النمر الأسود) من الأفلام الخالدة في ذهن المشاهد المصري، وهو مقتبس عن قصة حقيقية عن "محمد حسن المصري" عامل الخراطة الذي احترف الملاكمة في ألمانيا ووقع في غرام "هيلجا" الخوجاية التي تشع نورًا وتناديه "مهمد"، ليصنع "أحمد زكي" من ذلك الدور صورة للبطل الشعبي المصري كما تمني أن يراه الجمهور علي شاشة السينما.

لم يكن دور لاعب الملاكمة الذي قدمه "أحمد زكي" في فيلم (النمر الأسود) هو الوحيد علي مدار مشواره الفني، فقد لعب "زكي" دور لاعب الملاكمة أكثر من مرة علي شاشة السينما، فهناك فيلم (كابوريا) الذي تدور أحداثه حول "حسن هدهد" الشاب الفقير الذي يهوى الملاكمة و يحلم بالوصول إلى الأوليمبياد، ويشارك في حلبات الملاكمة في الحى الشعبي الذى يقطن فيه، وتتبدل أحواله حين يلتقي بـ"حورية/ رغدة" زوجة أحد المليونيرات للمشاركة في مباريات ملاكمة في قصرها مقابل مكافآت مالية في الوقت الذى تخضع فيه المباريات للمراهنات.

وكذلك دور "حودة النجار" في فيلم (البطل) لـ"مجدي أحمد علي" الذي قدمه عام 1998، عن ذلك الشاب الذي يرتبط مصيره بمصير الزعيم "سعد زغلول" يوم أن صافحه في الأسكندرية، ويظل يرسل إليه خطابات في منفاه طوال أحداث الفيلم.






البرئ .. حكاية أحمد سبع الليل و "الوطن"
















ربما كان فيلم البريء هو علامة فارقة في مشوار كل من "أحمد زكي" والمخرج "عاطف الطيب"، عن حكاية "أحمد سبع الليل" الشاب القروي الذي يلتحق بالقوات المسلحة بناءً علي نصيحة “حسين وهدان” الشاب الجامعي الذي لعب دوره “ممدوح عبد العليم”. 

فيعمل "سبع الليل" في حراسة المعتقلات، وهناك يتم غسل مخه بأن كل من في المعتقل هم أعداء الوطن، فيتحول "سبع الليل" إلى أداة في أيديهم للضرب والقتل إذا اقتضى الأمر. إلا أنه يكتشف الحقيقة مع تلك اللحظة التي يرى فيها “وهدان” ابن قريته أمامه في المعتقل، ويقضي معه الليل في زنزانة واحدة.


أربعة في مهمة رسمية .. قصة حب مع القرده "دلال"





تظل تجربة "أحمد زكي" في فيلم "البيضة والحجر" مع المخرج "علي عبد الخالق" هي الأشهر في السينما المصرية. فقد حقق الفيلم نجاحًا كبيرًا وقتها وحتي مع تزامن عرضة علي القنوات الفضائية فمازال الفيلم حتي الآن يتمتع بمشاهدة عالية

إلا أن هناك تجربة فيلم "أربعة في مهمة رسمية" التي جمعت بينهما في وقت سابق تعد فريدة من نوعها علي السينما المصرية حيث لعبت الحيوانات أدوارًا رئيسية في الفيلم وارتبط مصيرها بمصير البطل، وهو "أنور عبد المولي" الموظف في "بيت المال" بالأقصر _وهي مصلحة وهمية_  الذي يرتبط مصيره بالقرده "دلال" و"حمار" و"معزة" تطلب منه المصلحة تسليمها إلي فرع القاهرة لأنها قد صارت ملكًا للدولة بعد أن مات صاحبهم !! الفيلم يسلط الضوء علي فكرة البيروقراطية التي تعاني منها المصالح الحكومية

وقد حوي الفيلم الكثير من لحظات الأولفة والكوميديا بين "أحمد زكي" والقردة "دلال" مع بداية المشهد الأول بينهما علي الشاشة ومحاولة المخرج "علي بدرخان" السيطرة علي الكاميرا للالتقاط المشهد مع قفز "دلال" في كل مكان، وتقبيلها لأحمد زكي مقاطعة المونولوج الخاص به وسط ضحكاته.


ناصر 56 .. البداية مع السير الذاتية















كانت بداية "أحمد زكي" في مسرحية (هاللو شلبي) مع "عبد المنعم مدبولي"، وقد لفت إليه الأنظار من خلال دور عامل الفندق البسيط الذي يحاول اقناع "عنبر" صاحب الفرقة المسرحية بمواهبة التمثيلية. وقد لاقي ذلك المشهد الذي كان يؤديه مقلدًا "محمود المليجي" تصفيقًا حادًا من جمهور المسرح. ولم تتوقف المواقف التي كان يقلد فيها "أحمد زكي" الفنانين ففي أحد مقاطع الفيديو علي موقع يوتيوب يظهر "زكي" مقلدًا نجوم السينما علي خشبة المسرح ضمن سهرة في مهرجان السينما بدمشق عام 1990 وسط ضحك وتصفيق الحاضرين

إلا أنه لم يأخذ خطوة جدية في تقدم السير الذاتية علي شاشة السينما إلا في عام 1996 مع فيلم (ناصر 56)، لتختفي مع هذا الفيلم ألوان السينما فيظهر بالأبيض والأسود ليتيح الفرصة لأحمد زكي لكي يلعب دور الرئيس الراحل "جمال عبد الناصر"،  فلم يعد املامح الوجه أو لون البشرة تستطيع أن تقف حاجزًا أمام موهبة أحمد زكي الفريدة من نوعها في السينما المصرية.





********************************

نُشر في موقع "صوت مصر" بتاريخ 29/3/2017


الأربعاء، 25 يناير 2017

نظرة علي فيلم Train Of Salt And Sugar



يوم جديد من أيام مهرجان القاهرة، أقف حائرة وأنا أمسك ورقة العروض، أحاول اختيار الفيلم الذي سأقوم بمشاهدته، أمرر نظري علي الجدول بحثًا عن عروض الـ3:30، فقد حالت ورشة أسبوع النقاد بيني وبين مشاهدة أي عروض أُخري، فلا شئ سوي مشاهدة أفلام الـ3:30، والحديث عن أفلام الـ3:30، والكتابة عن أفلام الـ3:30 !! .. 

أُلقي نظرة علي الأفلام المعروضة في ذلك الوقت فلا أجد سوي فيلم أفريقي وهو (قطار الملح والسكر) وهو أحد أفلام المسابقة الدولية، وأخري قد حملت جميعها طابع الأكشن، وبين الخوف من تراجيديا الأفلام الأفريقية أو خيبة أمل أفلام أكشن ليس لديها هوية وتحمل جميعها الصفات الوراثية للأفلام الأمريكية وارد التسعينيات وبداية الألفينات التي توقفت أمريكا نفسها عن إنتاجها، أحجز مقعدًا لأشاهد السينما الأفريقية فهي علي الأقل سينما جديدة أقابلها لأول مرة، ولكن المفاجأة كانت تنتظرني داخل صالة العرض !! 


حكايات عن رجال حملوا السلاح



في العام 1977 يصل المخرج "ليتشينيو دي أزيفيدو Licínio De Azevedo" إلي موزمبيق للعمل في المعهد القومي للسينما والبحث في قصص حرب الإستقلال التي سيُشكل منها النص الأساسي لعمل فيلم روائي طويل، وكانت أولي الأبحاث التي قام بها للمعهد القومي للسينما والتي نشرها في أول كُتبه هي (حكايات عن رجال حملوا السلاح)، وهي مجموعة من القصص الحقيقة التي حدثت في ميدان المعركة قرابة الثلاثة أشهر في سهول مويدا شمال موزامبيق، وهي أولي المناطق التي تم تحريرها أثناء الحرب. 

لاحقًا يقوم "أزيفيدو" بصناعة الأفلام عن طريق المزج بين ما هو وثائقي وما هو روائي، فيستخدم البناء الدرامي المستخدم في الأفلام الروائية في أفلامه الوثائقية، أما أفلامه الروائية فهي دائمًا عن أحداث حقيقة، وفيلم (قطار الملح والسكر) هو نتاج تلك الطريقة الخاصة في السرد السينمائي !! 



حكايات عن قطار الملح والسكر



"إنه العام 1988، بعد سنوات من كفاح موزمبيق للحصول علي الإستقلال، تجد موزمبيق نفسها وسط الحرب الأهلية" .. 

هكذا بدأ المخرج "ليتشينيو دي أزيفيدو" فيلمه بتلك الجمل السريعة علي شاشة السينما عن تاريخ ومكان الأحداث، ليجعلك في لحظة تتخلي عن تلك النظرة الضيقة للدول الأفريقية التي لا تعرف منها سوي المجاعات والحروب الأهلية من نشرات الأخبار والتي جعلت الكل لديك سواء، فهي الآن بتلك الكلمات تٌعلن عن نفسها كدولة في عقلك، لها تاريخ حمل أحداثًا هامة لأهلها يجب أن تحترمه ..

يُكمل "أزيفيدو" كلماته قبل إنطلاق الأحداث، بسرد سريع للأجواء عن أولئك الذين يسافرون بالقطار وسط خطر الحرب الأهلية من موزمبيق إلي ملاوي لمقايضة الملح بالسكر من أجل الحصول علي كوب من الشاي!! ..

الفيلم يحدث داخل أجواء كليشيهات نشرات الأخبار إلي جانب الحكاية التاريخية العجيبة عن الملح والسكر، فإلي جانب المسافرين هناك الجنود الذين يقومون بحماية القطار ضد هجمات المتمردين ..

يُخلصك "أزيفيدو" من كل عقدك أو تجاربك السابقة مع السينما بشكل عام .."حسنًا أنا لن أحدثك عن تاريخ موزمبيق ولا عن تلك الكليشيهات التي تسمع عنها في نشرات الأخبار، أنا لن ألتزم بقواعد السرد السينمائي المتعارف عليها ولن أسير علي خطوط، لندع كل هذا جانبًا، فكل شئ هنا عن الدراما والتجارب الإنسانية ولا شئ سوي ذلك" !! .. 

يسير الفيلم في عدة خطوط وليس خط واحد، فكل حكاية من حكايات شخصيات القطار هي خط درامي يسير ليتقاطع مع باقي الحكايات الأخري، وقد جعل "أزيفيدو" من الحكايات الجانبية لمسافري القطار هي الخطوط الرئيسية لحكايته أما النقط الأساسية لصناعة الحبكة هي شئ ثانوي كان يتجاوزها علي الشاشة سريعًا وأحيانًا بالقطع الحاد أثناء المونتاج وكأنها ليست بالشئ الهام كمشهد إغتيال زعيم المتمردين مثلاً الذي ظهر علي الشاشة فجأة ودون ضجة تُصاحب ذلك العمل الذي كان يسعي إليه الجنود طوال الرحلة، ليجعلك "أزيفيدو" تغرق في القصة الإنسانية بدلاً من الجري خلف التجربة الفيلمية المعتادة. 

ينطلق قطار الملح والسكر وقد حمل علي متنه أولئك الحالمين بالمجتمع الجديد بعد الإستقال، فهناك "روزا" الفتاة التي تحلم بمجتمع قائم علي العلم بعيدًا عن الخرافة فتنطلق في تلك الرحلة من أجل الحصول علي عمل كممرضة في المستشفي الجديد حيث ينتهي شريط ذلك القطار. وهناك أيضًا "تيار" وهو أحد الضباط المصاحبين للقطار الذي درس العسكرية بالخارج ويحلم بمجتمع جديد يُلتزم فيه بقوانين الحرب بعيدًا عن الهمجية أوالعصبية القبلية إلا أنه يصطدم بأحد الضباط أثناء الرحلة، "سلماو" وفرقته التي تقوم بالإعتداء علي المسافرين داخل القطار ولا يستطيع أحد ردعه حتي القائد نفسه، بحجة أنه من أبطال الإستقلال !!  

وإلي جانب محاولات الجميع البحث عن المستقبل أثناء الرحلة تظل الأجواء الأفريقية التي تحمل طابع السحر والخرافات صاحبة حضور قوي داخل الأحداث، فتنشأ منها حكايات وتنتهي أخري ويُصنع منها نقاط التحول، فنجد أحد المسافرين علي القطار وقد اصطحب زوجته وطفلهما الصغير في طريقهما إلي زيارة معالج في أحد القري علي أمل أن يمنح ابنهما الصحة، أو حين يسقط قائد الجنود بسبب انفجار أحد الألغام ويُحمل إلي داخل القطار ليستيقظ في اليوم الثاني ويصبح معجزة !!، وقد ساعد القطع الحاد في مونتاج تلك اللحظات السينمائية علي إيصال تلك الفكرة حتي في لحظة إعلان "تيار" حبه لـ"روزا"، نشعر أن كل شئ سهل وبسيط في ذلك المكان صاحب الفِطرة الأولي للطبيعة، فيمكن لمرأة أن تقع في حب رجل بين ليلة وضحاها وتقفز معه في البحيرة بسهولة ليحلمان بعدها سويًا بالأطفال، وكل ذلك في ثلاث لقطات سينمائية متتالية فقط يكملان بها خليط الأحلام داخل قطار الملح والسكر!! 




*******************************

تريلر الفيلم:





*******************************