تحفة فنية سينمائية قدمها "جون هيوستن" للسينما العالمية في أولي تجاربة الإخراجية عام 1941 ..
فبعد مجموعة من النصوص السينمائية الناجحة التي قدمها لشاشة السينما ككاتب للسيناريو يقوم "جون هيوستن" بإعادة تقديم فيلم "الصقر المالطي" الذي عرض من قبل في نسخة قديمة عام 1931 عن رواية تحمل نفس الاسم لـ"داشيل هاميت" ولكن هذه المرة من بطولة أحد عباقرة التمثيل "هامفري بوجرت" ..
لم يكن هذا هو اللقاء الأول بين "بوجرت" و"هيوستن"، فقد عمل كلاهما من قبل في فيلمين كان "هيوستن" قد قدم لهما السيناريو وهما : "هاي سيرا High Sierra"، "د. كليتر هاوس المدهش The Amazing Dr. Clitterhouse"، وصولاً إلي فيلم "الصقر المالطي The Maltese Falcon" الذي لعب له "هيوستن" دور المخرج والسيناريست معًا، ليشكل كلاهما بعده ثنائيًا سينمائيًا _كثنائي "هانكس" و"سبيلبيرج"_ قدم سويًا مجموعة من أهم الأفلام في تاريخ هوليوود تضمها مكتبة الكونجرس كتراثٍ قومي !!
********************
أحداث الفيلم
تبدأ أحداث الفيلم في مكتب التحريات الخاصة الذي يديره "سام سبايد/ هامفري بوجرت" وصديقه "مارك أرتشر" حين تطلب إمرأة تدعي "وندرلي/ ماري أستور" منهما البحث عن أختها التي هربت مع شخص خَطِر يدعي "ثيرسبي" وإعادتها للمنزل قبل أن يعود أبويها من السفر ويكتشفا ما حدث ..
ويبدو أنها كانت حبكة منتشرة في ذلك الوقت لكتابة هذة النوعية من الروايات، فهناك تلك الفتاة التي تذهب إلي مكتب التحقيقات للبحث عن أختها وهي كاذبة علي كل حال وتورط المحقق في سلسلة من الأحداث الغير مفهومة والجرائم حتي يكتشف الحقيقة الكاملة في النهاية !!
يذهب "أرتشر" لتعقب الرجل ولكنه يصاب بطلق ناري ويلقي حتفه، يتلقي "سبايد" الخبر دون أن يرمش له جفن، يحاول الإتصال بالمرأة لكنه يعلم أنها تركت الفندق، يبدأ البوليس في الإرتياب في أمره و إزعاجه من حين لأخر وخاصة حين يتم قتل "ثيرسبي" في نفس الليلة، ومع الوقت نكتشف العلاقة بين "سبايد" وزوجة "أرتشر" ..
تتصل "وندرلي" بمكتب "سبايد" وتطلب منه أن يلقها وقد صارت تدعي "أوشانسي" وتعطيه عنوان آخر وأمام استجوابه لها تخبره أنها كانت علي علاقه بـ"ثيرسبي" وأنها متأكدة من أنه هو من قتل "أرتشر" ولكنها تشعر بالخوف من أن يحدث لها مثلما حدث لـ"ثيرسبي" وتطلب منه أن يقوم بحمايتها وأن يستكمل التحقيق في قضية مقتل الرجلين ..
يذهب "سبايد" إلي مكتبه ليجد من يدعي "جويل كايرو" في إنتظاره ويريد منه البحث عن تمثال لطائر أسود ويحاول تفتيش مكتبه بحثًا عن الطائر !! .. يذهب "سبايد" لمنزل "أوشانسي" ويخبرها بما حدث وبعد مزيد من الإرتباك والكذب تخبره أن "ثيرسبي" كان علي علم بأمر الطائر ولكنها لا تعرف ما هو .. يرتب "سبايد" لقاء له مع "أوشانسي" و"كايرو" في منزله ويبدأ نقاش بين "أوشانسي" و"كايرو" علي صفقة الطائر وهو لا يستوعب من الحوار شيئًا، وينشأ شجارًا بين "أوشانسي" و"كايرو" حين حاول تهديدها أمام "سبايد" برجل إسطانبول .. يتأكد لـ"سبايد" تورط "أوشانسي" في الأمر وأنها تعلم أكثر مما تدعي ..
يجد "سبايد" نفسه ملاحقًا من قبل أحد الأشخاص الذي يقوده لمقابلة من يدعي بـ"الفات مان The Fat Man" الذي يبدأ في سرد حكاية (الصقر المالطي) التاريخية ويتبين لـ"سبايد" أنه يبحث عنه هو الأخر ليجد "سبايد" نفسه محاصرًا بثلاثة عصابات تحاول كل منها الحصول علي (الصقر المالطي) وتجد أنت نفسك أمام سلسلة من الأحداث المتلاحقة التي تعصف بعقلك .
***********************
"You always do unpredictable things"
"أنت دائمًا تفعل أشياءً غير متوقعه" .. هكذا قالت "أوشانسي" لـ"سبايد"، وهكذا كان "هامفري بوجرت" طوال أحداث الفيلم لتجد نفسك ليس أمام أحداث تعصف بعقلك فقط بل أيضًا "بوجرت" الذي يخطف أنظارك ويبهرك بأدائه ..
كنت دائمًا أتسائل ما الذي يجعل مُمثل مثل "همفري بوجرت" يقف أمام "أودري هيبرن" و"إنجريد بيرجمان" ليلعب دور البطولة رغم أنه لا يملك من الوسامة ما يجعله يلعب دور "الجان" علي الشاشة، ولكن حقيقة الأمر أنهما هما من وقفا أمام ممثل بقامة "همفري بوجرت"، الذي صنع لنفسه وسامةً من نوعٍ آخر..
هي وسامة موهبته وقدراته التمثيلية !!
علي من يقف أمام "هامفري بوجرت" أن يرتقي بأدائة ليجاري موهبته..
هكذا كانت "ماري أستور" التي لعبت دور "أوشانسي" المخادعة طوال أحداث الفيلم، منتقلة بأدائها الرائع بين الصدق والكذب في حوار واحد لا تستطيع أن تميز فيه الفرق بينهما، فلا يكشف صدقها من كذبها سوي "سبايد/هامفري بوجرت" ولتفطن أنت مع الوقت إلي لعبة نبرة الصوت التي تلعبها، فكلما كان أدائها شرقيًا كالأفلام العربي القديمة كلما كانت كاذبة وكلما صار الحوار كلعبة البينج بونج كلما كانت صادقة !!
استطاع أيضًا " بيتر لوري" أو السيد "كايرو" أن يؤدي دور "لوسي ابن طنط فكيهة" كما يجب أن يكون سواء في طريقة حديثه أو حركاته أو بكائه كالفتيات !!
ساعد علي كل ذلك بالطبع المخرج "جون هيوستن" الذي كان يقوم بتصوير الأحداث بنفس تسلسل ظهورها علي الشاشة حتي يساعد الممثلين علي تطوير الشخصيات بالتزامن مع تطور الأحداث، ليقدم للسينما فيلمًا هو الأول علي عرش أفلام الـ Noir، ويكون هو المادة الأولي التي سيَصنع منها "هيوستن" أحلامه بعد ذلك !!
*********************